أحسن الحديث كتابا) * (الزمر: 23) وبقوله: * (فبأي حديث بعده يؤمنون) * (المرسلات: 50) وإذا ثبت أنه محدث فله خالق فيكون مخلوقا لا محالة والجواب: أن كل ذلك يرجع إلى هذه الألفاظ ونحن نسلم حدوثها إنما ندعي قدم أمر آخر وراء هذه الحروف، وليس في الآية دلالة على ذلك.
قوله تعالى * (وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين * قوم فرعون ألا يتقون) *.
اختلف أهل السنة في النداء الذي سمعه موسى عليه السلام من الله تعالى، هل هو كلامه القديم أو هو ضرب من الأصوات، فقال أبو الحسن الأشعري: المسموع هو الكلام القديم، وكما أن ذاته تعالى لا تشبه سائر الأشياء، مع أن الدليل دل على أنها معلومة ومرتبة فكذا كلامه منزه عن مشابهة الحروف والأصوات مع أنه مسموع، وقال أبو منصور الماتريدي: الذي سمعه موسى عليه السلام كان نداء من جنس الحروف والأصوات، وذلك لأن الدليل لما دل على أنا رأينا الجوهر والعرض، ولا بد من علة مشتركة بينهما لصحة الرؤية، ولا علة إلا الوجود، حكمنا بأن كل موجود يصح أن يرى، ولم يثبت عندنا أنا نسمع الأصوات والأجسام حتى يحكم بأنه لا بد من مشترك بين الجسم والصوت، فلم يلزم صحة كون كل موجود مسموعا فظهر الفرق، أما المعتزلة فقد اتفقوا على أن ذلك المسموع ما كان إلا حروفا وأصواتا، فعند هذا قالوا إن ذلك النداء وقع على وجه علم به موسى عليه السلام أنه من قبل الله تعالى، فصار معجزا علم به أن الله مخاطب له فلم يحتج مع ذلك إلى واسطة، وكفى في الوقت أن يحمله الرسالة التي هي * (أن ائت القوم الظالمين) * لأن في بدء البعثة يجب أن يأمره بالدعاء إلى التوحيد، ثم بعده يأمره بالأحكام، ولا يجوز أن يأمره تعالى بذلك إلا وقد عرفه أنه ستظهر عليه المعجزات إذا طولب بذلك.
أما قوله تعالى: * (أن ائت القوم الظالمين) * فالمعنى أنه تعالى سجل عليهم بالظلم، وقد استحقوا هذا الاسم من وجهين من وجه ظلمهم أنفسهم بكفرهم، ومن وجه ظلمهم لبني إسرائيل.
أما قوله: * (قوم فرعون) * فقد عطف (قوم فرعون) على (القوم الظالمين) عطف بيان، كأن القوم الظالمين وقوم فرعون لفظان يدلان على معنى واحد.
وأما قوله: * (ألا يتقون) * فقرئ (ألا يتقون) بكسر النون، بمعنى ألا يتقونني، فحذفت النون لاجتماع النونين والياء للاكتفاء بالكسرة، وقوله: * (ألا يتقون) * كلام مستأنف أتبعه تعالى إرساله إليهم للإنذار والتسجيل عليهم بالظلم، تعجيبا لموسى عليه السلام من حالهم (التي شفت) في الظلم والعسف، ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم (وحذرهم من أيام الله) (1)، ويحتمل أن يكون * (ألا يتقون) * حالا من الضمير في (الظالمين)