متمسكا بالشرك تدينا ومقدما على قتل الموءودة تدينا وعلى الزنا تدينا، فبين تعالى أن المرء لا يصير بتلك الخصال وحدها من عباد الرحمن، حتى يضاف إلى ذلك كونه مجانبا لهذه الكبائر، وأجاب الحسن رحمه الله من وجه آخر فقال: المقصود من ذلك التنبيه على الفرق بين سيرة المسلمين وسيرة الكفار، كأنه قال: وعباد الرحمن هم الذين لا يدعون مع الله إلها آخر وأنت تدعون * (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) * وأنتم تقتلون الموءودة، * (ولا يزنون) * وأنتم تزنون.
السؤال الثاني: ما معنى قوله: * (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) * ومعلوم أنه من يحل قتله لا يدخل في النفس المحرمة فكيف يصح هذا الاستثناء؟ الجواب: المقتضى لحرمة القتل قائم أبدا، وجواز القتل إنما ثبت بالمعارض فقوله: * (حرم الله) * إشارة إلى المقتضى وقوله * (إلا بالحق) * إشارة إلى المعارض.
السؤال الثالث: بأي سبب يحل القتل؟ الجواب: بالردة وبالزنا بعد الإحصان، وبالقتل قودا على ما في الحديث، وقيل وبالمحاربة وبالبينة، وإن لم يكن لما شهدت به حقيقة.
السؤال الرابع: منهم من فسر قوله: * (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) * بالردة فهل يصح ذلك؟ الجواب: لفظ القتل عام فيتناول الكل. وعن ابن مسعود " قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت ثم أي؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، قلت ثم أي؟ قال أن تزني بحليلة جارك " فأنزل الله تصديقه.
السؤال الخامس: ما الأثام؟ الجواب: فيه وجوه: أحدها: أن الأثام جزاء الإثم، بوزن الوبال والنكال وثانيها: وهو قول أبي مسلم: أن الأثام والإثم واحد، والمراد ههنا جزاء الأثام فأطلق اسم الشيء على جزائه وثالثها: قال الحسن: الأثام اسم من أسماء جهنم وقال مجاهد: * (آثاما) * واد في جهنم، (وقرأ ابن مسعود * (آثاما) * أي شديدا، يقال يوم ذو أثام لليوم العصيب).
أما قوله: * (يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: * (يضاعف) * بدل من * (يلق) * لأنهما في معنى واحد، وقرئ (يضعف) و (نضعف له العذاب) بالنون ونصب العذاب، وقرئ بالرفع على الاستئناف أو على الحال، وكذلك (يخلد) (وقرئ) (ويخلد) على البناء للمفعول مخففا ومثقلا من الإخلاد والتخليد، وقرئ (وتخلد) بالتاء على الالتفات.
المسألة الثانية: سبب تضعيف العذاب أن المشرك إذا ارتكب المعاصي مع الشرك عذب على الشرك وعلى المعاصي جميعا، فتضاعف العقوبة لمضاعفة المعاقب عليه، وهذا يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع.
المسألة الثالثة: قال القاضي: بين الله تعالى أن المضاعفة والزيادة يكون حالهما في الدوام كحال الأصل، فقوله: * (ويخلد فيه) * أي ويخلد في ذلك التضعيف، ثم إن ذلك التضعيف إنما حصل بسبب العقاب على المعاصي، فوجب أن يكون عقاب هذه المعاصي في حق الكافر دائما،