وقام من خلفه وحركه فلم يستيقظ فقال الغلام اللهم أيقظه لي ودفع الباب ثم ناداه فاستيقظ وجلس ودخل الغلام فانكشف من عمر شيء وعرف عمر أن الغلام رأى ذلك منه فقال وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا أن يدخلوا علينا في هذه الساعات إلا بإذن ثم انطلق معه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فوجده قد نزل عليه * (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) * فحمد الله تعالى عمر عند ذلك فقال عليه السلام وما ذاك يا عمر؟ فأخبره بما فعل الغلام فتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صنعه وتعرف اسمه ومدحه، وقال: إن الله يحب الحليم الحي العفيف المتعفف، ويبغض البذيء الجرئ السائل الملحف " فهذه الآية إحدى الآيات المنزلة بسبب عمر. وقال بعضهم: نزلت في أسماء بنت أبي مرثد قالت إنا لندخل على الرجل والمرأة ولعلهما يكونان في لحاف واحد، وقيل دخل عليها غلام لها كبير في وقت كرهت دخوله فيه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فنزلت الآية.
المسألة الخامسة: قال ابن عمر ومجاهد قوله: * (ليستأذنكم) * عنى به الذكور دون الإناث لأن قوله: * (الذين ملكت أيمانكم) * صيغة الذكور لا صيغة الإناث، وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي في الرجال والنساء يستأذنون على كل حال بالليل والنهار، والصحيح أنه يجب إثبات هذا الحكم في النساء، لأن الإنسان كما يكره اطلاع الذكور على أحواله فقد يكره أيضا اطلاع النساء عليها ولكن الحكم يثبت في النساء بالقياس لا بظاهر اللفظ على ما قدمناه.
المسألة السادسة: من العلماء من قال الأمر في قوله: * (ليستأذنكم) * على الندب والاستحباب ومنهم من قال إنه على الإيجاب وهذا أولى، لما ثبت أن ظاهر الأمر للوجوب.
أما قوله تعالى: * (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن عمر * (الحلم) * بالسكون.
المسألة الثانية: اتفق الفقهاء على أن الاحتلام بلوغ واختلفوا إذا بلغ خمس عشرة سنة ولم يحتلم فقال أبو حنيفة رحمه الله لا يكون الغلام بالغا حتى يبلغ ثماني عشرة سنة ويستكملها وفي الجارية سبع عشرة سنة، وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله في الغلام والجارية خمس عشرة سنة قال أبو بكر الرازي قوله تعالى: * (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) * يدل على بطلان قول من جعل حد البلوغ خمس عشرة إذا لم يحتلم لأن الله تعالى لم يفرق بين من بلغها وبين من قصر عنها بعد أن لا يكون قد بلغ الحلم، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهات كثيرة: " رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم " ولم يفرق بين من بلغ خمس عشرة سنة وبين من لم يبلغها، فإن قيل فهذا الكلام يبطل التقدير أيضا بثماني عشرة سنة أجاب بأنا قد علمنا بأن العادة في البلوغ خمس عشرة سنة وكل ما كان مبنيا على طريق العادات فقد تجوز الزيادة فيه والنقصان منه، وقد وجدنا من بلغ في اثنتي عشرة سنة، وقد بينا أن الزيادة على