حالة أخرى، ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها على تقدير مستقيم في فصول السنة من أظهر الدلائل السادس: فإن قيل لم قال: * (لأجعلنك من المسجونين) * ولم يقل لأسجننك مع أنه أخصر؟ جوابه: لأنه لو قال لأسجننك لا يفيد إلا صيرورته مسجونا. أما قوله: * (لأجعلنك من المسجونين) * فمعناه أني أجعلك واحدا ممن عرفت حالهم في سجوني، وكان من عادته أن يأخذ من يريد أن يسجنه فيطرحه في بئر عميقة فردا لا يبصر فيها ولا يسمع فكان ذلك أشد من القتل السابع: الواو في قوله: * (أو لو جئتك) * واو الحال دخلت عليها همزة الاستفهام معناه أتفعل بي ذلك ولو جئتك بشيء مبين أي جائيا بالمعجزة.
قوله تعالى * (فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هى بيضآء للناظرين * قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم * يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون * قالوا أرجه وأخاه وابعث فى المدآئن حاشرين * يأتوك بكل سحار عليم) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ الأعمش: * (بكل ساحر عليم) *.
المسألة الثانية: اعلم أن قوله: * (أو لو جئتك بشيء مبين) * (الشعراء: 30) يدل على أن الله تعالى قبل أن ألقى العصا عرفه بأنه يصيرها ثعبانا، ولولا ذلك لما قال ما قال: فلما ألقى عصاه ظهر ما وعده الله به فصار ثعبانا مبينا، والمراد أنه تبين للناظرين أنه ثعبان بحركاته وبسائر العلامات، روي أنه لما انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة إلى فرعون وجعلت تقول يا موسى مرني بما شئت، ويقول فرعون يا موسى أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها فعادت عصا فإن قيل كيف قال ههنا: * (ثعبان مبين) * وفي آية أخرى: * (فإذا هي حية تسعى) * (طه: 20) وفي آية ثالثة: * (كأنها جان) * (القصص: 31) والجان مائل إلى الصغر والثعبان مائل إلى الكبر؟ جوابه: أما الحية فهي اسم الجنس ثم إنها لكبرها صارت ثعبانا، وشبهها بالجان لخفتها وسرعتها فصح الكلامان، ويحتمل أنه شبهها بالشيطان لقوله تعالى: * (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) * (الحجر: 27) ويحتمل أنها كانت أولا صغيرة كالجان ثم عظمت