القبطي وأنهم يطلبونه ليقتلوه، فقال شعيب: * (لا تخف نجوت من القوم الظالمين) * أي لا سلطان له بأرضنا فلسنا في مملكته وليس في الآية دلالة على أنه قال ذلك عن الوحي أو على ما تقتضيه العادة. فإن قيل: المفسرون قالوا إن فرعون يوم ركب خلف موسى عليه السلام ركب في ألف ألف وستمائة ألف، فالملك الذي هذا شأنه كيف يعقل أن لا يكون في ملكه قرية على بعد ثمانية أيام من دار مملكته؟ قلنا هذا وإن كان نادرا إلا أنه ليس بمحال.
أما قوله: * (قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: وصفته بالقوة لما شاهدت من كيفية السقي وبالأمانة لما حكينا من غض بصره حال ذودهما الماشية وحال سقيه لهما وحال مشيه بين يديها إلى أبيها.
المسألة الثانية: إنما جعل * (خير من استأجرت) * اسما و * (القوى الأمين) * خبرا مع أن العكس أولى لأن العناية هي سبب التقديم.
المسألة الثالثة: القوة والأمانة لا يكفيان في حصول المقصود ما لم ينضم إليهما الفطنة والكياسة، فلم أهمل أمر الكياسة؟ ويمكن أن يقال إنها داخلة في الأمانة، عن ابن مسعود رضي الله: " أفرس الناس ثلاثة بنت شعيب وصاحب يوسف وأبو بكر في عمر ".
أما قوله: * (قال إني أريد أنكحك إحدى ابنتي هاتين) * فلا شبهة في أن هذا اللفظ، وإن كان على الترديد لكنه عند التزويج عين ولا شبهة في أن العقد وقع على أقل الأجلين، فكانت الزيادة كالتبرع، والفقهاء ربما استدلوا به على أن العمل قد يكون مهرا كالمال وعلى أن إلحاق الزيادة بالثمن والمثمن جائز، ولكنه شرع من قبلنا فلا يلزمنا، ويدل على أنه قد كان جائزا في تلك الشريعة أن يشرط للولي منفعة، وعلى أنه كان جائزا في تلك الشريعة نكاح المرأة بغير بدل تستحقه المرأة وعلى أن عقد النكاح لا تفسده الشروط التي لا يوجبها العقد، ثم قال: * (على أن تأجرني ثماني حجج) * تأجرني من أجرته إذا كنت له أجيرا وثماني حجج ظرفه أو من أجرته كذا إذا أثبته إياه ومنه أجركم الله ورحمكم وثماني حجج مفعول به ومعناه رعية ثماني حجج ثم قال: * (وما أريد أن أشق عليك) * وفيه وجهان: الأول: لا أريد أن أشق عليك بإلزام أثم الرجلين، فإن قيل ما حقيقة قولهم شققت عليه وشق عليه الأمر؟ قلنا حقيقته أن الأمر إذا تعاظمك فكأنه شق عليك ظنك باثنين، تقول تارة أطيقه وتارة لا أطيقه الثاني: لا أريد أن أشق عليك في الرعي ولكني أساهلك فيها وأسامحك بقدر الإمكان ولا أكلفك الاحتياط الشديد في كيفية الرعي، وهكذا كان الأنبياء عليهم السلام آخذين بالأسمح في معاملات الناس، ومنه الحديث " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شريكي فكان خير شريك لا يداري ولا يشاري ولا يماري " ثم قال: * (ستجدني إن شاء الله من الصالحين) * وفيه وجهان: الأول: يريد بالصلاح حسن المعاملة ولين الجانب والثاني: يريد الصلاح على العموم ويدخل تحته حسن المعاملة، وإنما قال إن شاء الله للاتكال على توفيقه ومعونته.