معارض بنفس الزمان، لأن المدة المتوهمة المحتملة لعشرة أيام لا تحتمل خمسة أيام، والمدة المتوهمة التي تحتمل خمسة أيام لا تحتمل عشرة أيام، فيلزم أن يكون للمدة مدة أخرى، فلما لم يلزم هذا لم يلزم ما قلتموه وعلى هذا نقول لعل الله سبحانه خلق المدة أولا ثم السماوات والأرض فيها بمقدار ستة أيام، ومن الناس من قال في ستة أيام من أيام الآخرة وكل يوم ألف سنة وهو بعيد لأن التعريف لا بد وأن يكون بأمر معلوم لا بأمر مجهول.
السؤال الثاني: لم قدر الخلق والإيجاد بهذا التقدير؟ الجواب: أما على قولنا فالمشيئة والقدرة كافية في التخصيص، قالت المعتزلة بل لا بد من داعي حكمة وهو أن تخصيص خلق العالم بهذا المقدار أصلح للمكلفين وهذا بعيد لوجهين: أحدهما: أن حصول تلك الحكمة، إما أن يكون واجبا لذاته أو جائزا فإن كان واجبا وجب أن لا يتغير فيكون حاصلا في كل الأزمنة، فلا يصلح أن يكون سببا لتخصيص زمان معين وإن كان جائزا افتقر حصول تلك الحكمة في ذلك الوقت إلى مخصص آخر ويلزم التسلسل والثاني: أن التفاوت بين كل واحد مما لا يصل إليه خاطر المكلف وعقله، فحصول ذلك التفاوت لما لم يكن مشعورا به كيف يقدح في حصول المصالح.
واعلم أنه يجب على المكلف سواء كان على قولنا أو على قول المعتزلة أن يقطع الطمع عن أمثال هذه الأسئلة، فإنه بحر لا ساحل له. من ذلك تقدير الملائكة الذين هم أصحاب النار بتسعة عشر وحملة العرش بالثمانية وشهور السنة باثني عشر والسماوات السبع وكذا الأرض وكذا القول في عدد الصلوات ومقادير النصب في الزكوات وكذا مقادير الحدود والكفارات فالإقرار بأن كل ما قاله الله تعالى حق هو الدين، وترك البحث عن هذه الأشياء هو الواجب وقد نص عليه تعالى في قوله: * (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون، وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا) * ثم قال: * (وما يعلم جنود ربك إلا هو) * (المدثر: 31) وهذا هو الجواب أيضا في أنه لم يخلقها في لحظة وهو قادر على ذلك وعن سعيد بن جبير أنه إنما خلقها في ستة أيام وهو يقدر على أن يخلقها في لحظة تعليما لخلقه الرفق والتثبت، قيل تم خلقها يوم الجمعة فجعلها الله تعالى عيدا للمسلمين.
السؤال الثالث: ما معنى قوله: * (ثم استوى على العرش) *؟ ولا يجوز حمله على الاستيلاء والقدرة، لأن الاستيلاء والقدرة في أوصاف الله لم تزل ولا يصح دخول (ثم) فيه والجواب: الاستقرار غير جائز، لأنه يقتضي التغير الذي هو دليل الحدوث، ويقتضي التركيب والبعضية وكل ذلك على الله محال بل المراد ثم خلق العرش ورفعه وهو مستول كقوله تعالى: * (ولنبلونكم حتى نعلم) * (محمد: 31) فإن المراد حتى يجاهد المجاهدون ونحن بهم عالمون، فإن قيل فعلى هذا التفسير يلزم أن يكون خلق العرش بعد خلق السماوات وليس كذلك لقوله تعالى: * (وكان عرشه على الماء) * (هود: 7) قلنا: كلمة (ثم)