ليتبعها ثم تذهب إلى جانب آخر سوى جانب فراخها، وناقر الخشب قلما يقع على الأرض بل على الشجر ينقر الموضع الذي يعلم أن فيه دودا، والغرانيق تصعد في الجو جدا عند الطيران فإن حجب بعضها عن بعض ضباب أو سحاب أحدثت عن أجنحتها حفيفا مسموعا يلزم به بعضها بعضا، فإذا نامت على جبل فإنها تضع رؤوسها تحت أجنحتها إلا القائد فإنه ينام مكشوف الرأس فيسرع انتباهه، وإذا سمع حرسا صاح، وحال النمل في الذهاب إلى مواضعها على خط مستقيم يحفظ بعضها بعضا أمر عجيب، واعلم أن الاستقصاء في هذا الباب مذكور في كتاب طبائع الحيوان، والمقصود أن الأكياس من العقلاء يعجزون عن أمثال هذه الحيل فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يقال إنها ملهمة من عند الله تعالى بمعرفته والثناء عليه وإن كانت غير عارفة بسائر الأمور التي يعرفها الناس؟ ولله در شهاب الإسلام السمعاني حيث قال: جل جناب الجلال عن أن يوزن بميزان الاعتزال.
أما قوله سبحانه: * (ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير) * فهو مع وجازته فيه دلالة على تمام علم المبدأ والمعاد، فقوله: * (ولله ملك السماوات والأرض) * تنبيه على أن الكل منه لأن كل ما سواه ممكن ومحدث والممكن والمحدث لا يوجدان إلا عند الانتهاء إلى القديم الواجب فدخل في هذه القضية جميع الأجرام والأعراض وأفعال العباد وأقوالهم وخواطرهم.
وأما قوله: * (وإلى الله المصير) * فهو عبارة تامة في معرفة المعاد وهو أنه لا بد من مصير الكل إليه سبحانه، وله وجه آخر وهو أن الوجود يبدأ من الأشرف فالأشرف نازلا إلى الأخس فالأخس ثم يأخذ من الأخس فالأخس مترقيا إلى الأشرف فالأشرف، فإنه يكون جسما ثم يصيره موصوفا بالنباتية ثم الحيوانية ثم الإنسانية ثم الملكية ثم ينتهي إلى واجب الوجود لذاته، فالاعتبار الأول هو قوله: * (ولله ملك السماوات والأرض) * والثاني هو قوله: * (وإلى الله المصير) *.