الله تعالى، وتخليقه وتكوينه. وقالت المعتزلة: التحميد إنما وقع على أنه تعالى أعطى العقل ووضع الدلائل، وأزال الموانع، وعند هذا يرجع إلى مباحث الجبر والقدر على سبيل التمام والكمال.
ثم قال تعالى: * (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن عامر " ما كنا " بغير واو وكذلك هو في مصاحف أهل الشام، والباقون بالواو، والوجه في قراءة ابن عامر أن قوله: * (ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) * جار مجرى التفسير لقوله: * (هدانا لهذا) * فلما كان أحدهما عين الآخر، وجب حذف الحرف العاطف.
المسألة الثانية: قوله: * (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) * دليل على أن المهتدي من هداه الله، وإن لم يهده الله لم يهتد، بل نقول: مذهب المعتزلة أن كل ما فعله الله تعالى في حق الأنبياء عليهم السلام، والأولياء من أنواع الهداية والإرشاد، فقد فعله في حق جميع الكفار والفساق وإنما حصل الامتياز بين المؤمن والكافر، والمحق والمبطل بسعي نفسه، واختيار نفسه فكان يجب عليه أن يحمد نفسه، لأنه هو الذي حصل لنفسه الإيمان، وهو الذي أوصل نفسه إلى درجات الجنان، وخلصها من دركات النيران، فلما لم يحمد نفسه البتة، وإنما حمد الله فقط. علمنا أن الهادي ليس إلا الله سبحانه.
ثم حكى تعالى عنهم أنهم قالوا: * (لقد جاءت رسل ربنا بالحق) * وهذا من قول أهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانا، وقالوا: لقد جاءت رسل ربنا بالحق.
ثم قال تعالى: * (ونودوا أن تلكم الجنة) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ذلك النداء إما أن يكون من الله تعالى، أو أن يكون من الملائكة، والأولى أن يكون المنادي هو الله سبحانه.
المسألة الثانية: ذكر الزجاج في كلمة " أن " ههنا وجهين: الأول: أنها مخففة من الثقيلة، والتقدير: إنه والمضير للشأن، والمعنى: نودوا بأنه تلكم الجنة أي نودوا بهذا القول: والثاني: قال: وهو الأجود عندي أن تكون " أن " في معنى تفسير النداء، والمعنى: ونودوا. أي تلكم الجنة، والمعنى: قيل لهم تلكم الجنة كقوله: * (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا) * (ص: 6) يعني أي امشوا. قال: إنما قال: " تلكم " لأنهم وعدوا بها في الدنيا. فكأنه قيل: لهم هذه تلكم التي وعدتم بها وقوله: * (أورثتموها) * فيه قولان:
القول الأول: وهو قول أهل المعاني أن معناه: صارت إليكم كما يصير الميراث إلى أهله، والإرث قد يستعمل في اللغة، ولا يراد به زوال الملك عن الميت إلى الحي كما يقال: هذا العمل