المسألة الأولى: أن هذه الآية ظاهرها استفهام، إلا أن المراد منه تقرير الإنكار، والمبالغة في تقرير ذلك الإنكار، وفي الآية قولان:
القول الأول: أن المراد من الزينة في هذه الآية اللباس الذي تستر به العورة، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، وكثير من المفسرين.
والقول الثاني: أنه يتناول جميع أنواع الزينة، فيدخل تحت الزينة جميع أنواع التزيين، ويدخل تحتها تنظيف البدن من جميع الوجوه، ويدخل تحتها المركوب، ويدخل تحتها أيضا أنواع الحلي، لأن كل ذلك زينة، ولولا النص الوارد في تحريم الذهب والفضة والإبريسم على الرجال لكان ذلك داخلا تحت هذا العموم، ويدخل تحت الطيبات من الرزق، كل ما يستلذ ويشتهي من أنواع المأكولات والمشروبات، ويدخل أيضا تحته التمتع بالنساء وبالطيب. وروي عن عثمان بن مظعون: أنه أتى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: غلبني حديث النفس، عزمت على أن أختصي، فقال: " مهلا يا عثمان إن خصاء أمتي الصيام " قال: فإن نفسي تحدثني بالترهب. قال: " إن ترهب أمتي القعود في المساجد لانتظار الصلاة فقال: تحدثني نفسي بالسياحة ". فقال: " سياحة أمتي الغزو والحج والعمرة " فقال: إن نفسي تحدثني أن أخرج مما أملك، فقال: " الأولى أن تكفي نفسك وعيالك وأن ترحم اليتيم والمسكين فتعطيه أفضل من ذلك " فقال: إن نفسي تحدثني أن أطلق خولة فقال: " إن الهجرة في أمتي هجرة ما حرم الله " قال: فإن نفسي تحدثني أن لا أغشاها. قال: " إن المسلم إذا غشى أهله أو ما ملكت يمينه فإن لم يصب من وقعته تلك ولدا كان له وصيف في الجنة وإذا كان له ولد مات قبله أو بعده كان له قرة عين وفرح يوم القيامة وإن مات قبل أن يبلغ الحنث كان له شفيعا ورحمة يوم القيامة " قال: فإن نفسي تحدثني أن لا آكل اللحم قال: " مهلا إني آكل اللحم إذا وجدته ولو سألت الله أن يطعمنيه كل يوم فعله " قال: فإن نفسي تحدثني أن لا أمس الطيب. قال: " مهلا فإن جبريل أمرني بالطيب غبا وقال لا تتركه يوم الجمعة " ثم قال: " يا عثمان لا ترغب عن سنتي فإن من رغب عن سنتي ومات قبل أن يتوب صرفت الملائكة وجهه عن حوضي ".
واعلم أن هذا الحديث يدل على أن هذه الشريعة الكاملة تدل على أن جميع أنواع الزينة مباح مأذون فيه، إلا ما خصه الدليل، فلهذا السبب أدخلنا الكل تحت قوله: * (قل من حرم زينة الله) *.
المسألة الثانية: مقتضى هذه الآية أن كل ما تزين الإنسان به، وجب أن يكون حلالا، وكذلك كل ما يستطاب وجب أن يكون حلالا، فهذه الآية تقتضي حل كل المنافع، وهذا أصل معتبر في كل الشريعة، لأن كل واقعة تقع، فإما أن يكون النفع فيها خالصا، أو راجحا أو الضرر يكون