يعني الثياب، وأيضا فالزينة لا تحصل إلا بالستر التام للعورات، ولذلك صار التزيين بأجود الثياب في الجمع والأعياد سنة، وأيضا أنه تعالى قال في الآية المتقدمة: * (قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا) * فبين أن اللباس الذي يواري السوأة من قبيل الرياش والزينة، ثم إنه تعالى أمر بأخذ الزينة في هذه الآية، فوجب أن يكون المراد من هذه الزينة هو الذي تقدم ذكره في تلك الآية فوجب حمل هذه الزينة على ستر العورة، وأيضا فقد أجمع المفسرون على أن المراد بالزينة ههنا لبس الثوب الذي يستر العورة، وأيضا فقوله: * (خذوا زينتكم) * أمر. والأمر للوجوب، فثبت أن أخذ الزينة واجب، وكل ما سوى اللبس فغير واجب، فوجب حمل الزينة على اللبس عملا بالنص بقدر الإمكان.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: * (خذوا زينتكم) * أمر، وظاهر الأمر للوجوب، فهذا يدل على وجوب ستر العورة عنه إقامة كل صلاة، وههنا سؤالان:
السؤال الأول: إنه تعالى عطف عليه قوله: * (وكلوا واشربوا) * ولا شك أن ذلك أمر إباحة فوجب أن يكون قوله: * (خذوا زينتكم) * أمر إباحة أيضا.
وجوابه: أنه لا يلزم من ترك الظاهر في المعطوف تركه في المعطوف عليه، وأيضا فالأكل والشرب قد يكونان واجبين أيضا في الحكم.
السؤال الثاني: أن هذه الآية نزلت في المنع من الطواف حال العري.
والجواب: أنا بينا في أصول الفقه أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: * (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * يقتضي وجوب اللبس التام عند كل صلاة لأن اللبس التام هو الزينة. ترك العمل به في القدر الذي لا يجب ستره من الأعضاء، إجماعا، فبقي الباقي داخلا تحت اللفظ، وإذا ثبت أن ستر العورة واجب في الصلاة، وجب أن تفسد الصلاة عند تركه، لأن تركه يوجب ترك المأمور به، وترك المأمور به معصية، والمعصية توجب العقاب على ما شرحنا هذه الطريقة في الأصول.
المسألة الثالثة: تمسك أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في مسألة إزالة النجاسة بماء الورد. فقالوا: أمرنا بالصلاة في قوله: * (أقيموا الصلاة) * (يونس: 87) والصلاة عبارة عن الدعاء، وقد أتى بها، والإتيان بالمأمور به يوجب الخروج عن العهدة، فمقتضى هذا الدليل أن لا تتوقف صحة الصلاة على ستر العورة، إلا أنا أوجبنا هذا المعنى عملا بقوله تعالى: * (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * ولبس الثوب المغسول بماء الورد على أقصى وجوه النظافة أخذ الزينة، فوجب أن يكون كافيا