تكون باستقبال القبلة، وقد تكون بالإخلاص في تلك العبادة، والأقرب هو الأول، لأن الإخلاص مذكور من بعد، ولو حملناه على معنى الإخلاص، صار كأنه قال: وأخلصوا عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين، وذلك لا يستقيم.
فإن قيل: يستقيم ذلك، إذا علقت الإخلاص بالدعاء فقط.
قلنا: لما أمكن رجوعه إليهما جميعا، لم يجز قصره على أحدهما، خصوصا مع قوله: * (مخلصين له الدين) * فإنه يعم كل ما يسمى دينا.
إذا ثبت هذا فنقول: قوله: * (عند كل مسجد) * اختلفوا في أن المراد منه زمان الصلاة أو مكانه والأقرب هو الأول، لأنه الموضع الذي يمكن فيه إقامة الوجه للقبلة، فكأنه تعالى بين لنا أن لا نعتبر الأماكن، بل نعتبر القبلة، فكان المعنى: وجهوا وجوهكم حيثما كنتم في الصلاة إلى الكعبة وقال ابن عباس: المراد إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجد فصلوا فيه، ولا يقولن أحدكم، لا أصلي إلا في مسجد قومي.
ولقائل أن يقول: حمل لفظ الآية على هذا بعيد، لأن لفظ الآية يدل على وجوب إقامة الوجه في كل مسجد، ولا يدل على أنه لا يجوز له العدول من مسجد إلى مسجد.
وأما قوله: * (وادعوه مخلصين له الدين) * فاعلم أنه تعالى لما أمر في الآية الأولى بالتوجه إلى القبلة، أمر بعده بالدعاء، والأظهر عندي أن المراد به أعمال الصلاة، وسماها دعاء، لأن الصلاة في أصل اللغة عبارة عن الدعاء، ولأن أشرف أجزاء الصلاة هو الدعاء والذكر، وبين أنه يجب أن يؤتى بذلك الدعاء مع الإخلاص، ونظيره قوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * (البينة: 5) ثم قال تعالى: * (كما بدأكم تعودون) * وفيه قولان:
القول الأول: قال ابن عباس: * (كما بدأكم) * خلقكم مؤمنا أو كافرا * (تعودون) * فبعث المؤمن مؤمنا، والكافر كافرا، فإن من خلقه الله في أول الأمر للشقاوة، أعمله بعمل أهل الشقاوة، وكانت عاقبته الشقاوة، وان خلقه للسعادة أعمله بعمل أهل السعادة، وكانت عاقبته السعادة.
والقول الثاني: قال الحسن ومجاهد: * (كما بدأكم) * خلقكم في الدنيا ولم تكونوا شيئا، كذلك تعودون أحياء، فالقائلون بالقول الأول: احتجوا على صحته بأنه تعالى ذكر عقيبه قوله: * (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) * وهذا يجري مجرى التفسير لقوله: * (كما بدأكم تعودون) * وذلك يوجب ما قلناه. قال القاضي: هذا القول باطل، لأن أحدا لا يقول إنه تعالى بدأنا مؤمنين أو كافرين، لأنه لا بد في الإيمان والكفر أن يكون طارئا وهذا السؤال ضعيف، لأن جوابه أن