والجواب: قال الحسن: كان يوسوس من الأرض إلى السماء وإلى الجنة بالقوة الفوقية التي جعلها الله تعالى له، وقال أبو مسلم الأصفهاني: بل كان آدم وإبليس في الجنة لأن هذه الجنة كانت بعض جنات الأرض، والذي يقوله بعض الناس من أن إبليس دخل في جوف الحية ودخلت الحية في الجنة فتلك القصة الركيكة مشهورة، وقال آخرون: إن آدم وحواء ربما قربا من باب الجنة، وكان إبليس واقفا من خارج الجنة على بابها، فيقرب. فيقرب أحدهما من الآخر وتحصل الوسوسة هناك.
السؤال الثاني: أن آدم عليه السلام كان يعرف ما بينه وبين إبليس من العداوة فكيف قبل قوله.
والجواب: لا يبعد أن يقال إن إبليس لقي آدم مرارا كثيرة ورغبه في أكل الشجرة بطرق كثيرة فلأجل المواظبة والمداومة على هذا التمويه أثر كلامه في آدم عليه السلام.
السؤال الثالث: لم قال: * (فوسوس لهما الشيطان) *.
والجواب: معنى وسوس له أي فعل الوسوسة لأجله والله أعلم. أما قوله تعالى: * (ليبدي لهما) * في هذا اللام قولان: أحدهما: أنه لام العاقبة كما في قوله: * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) * (القصص: 8) وذلك لأن الشيطان لم يقصد بالوسوسة ظهور عورتهما، ولم يعلم أنهما إن أكلا من الشجرة بدت عوراتها، وإنما كان قصده أن يحملهما على المعصية فقط. الثاني: لا يبعد أيضا أن يقال: إنه لام الغرض ثم فيه وجهان: أحدهما: أن يجعل بدو العورة كناية عن سقوط الحرمة وزوال الجاه، والمعنى: أن غرضه من إلقاء تلك الوسوسة إلى آدم زوال حرمته وذهاب منصبه. والثاني: لعله رأى في اللوح المحفوظ أو سمع من بعض الملائكة أنه إذا أكل من الشجرة بدت عورته، وذلك يدل على نهاية الضرر وسقوط الحرمة، فكان يوسوس إليه لحصول هذا الغرض، وقوله: * (ما وري عنهما من سوآتهما) * فيه مباحث:
البحث الأول: ما وري مأخوذ من المواراة يقال: واريته أي سترته. قال تعالى: يواري سوأة أخيه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي لما أخبره بوفاة أبيه: " اذهب فواره ".
البحث الثاني: السوأة فرج الرجل والمرأة، وذلك لأن ظهوره يسوء الإنسان. قال ابن عباس رضي الله عنهما كأنهما قد ألبسا ثوبا يستر عورتهما، فلما عصيا زال عنهما ذلك الثوب فذلك قوله تعالى: * (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما) *.
البحث الثالث: دلت هذه الآية على أن كشف العورة من المنكرات وإنه لم يزل مستهجنا