هذين الوجهين على حصول العفو.
المسألة الثالثة: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في حق أصحاب الكبائر مقبولة يوم القيامة، وذلك لأن هذه الآية دلت على أن هؤلاء المؤمنين طلبوا من الله غفران الذنوب مطلقا من غير أن قيدوا ذلك بالتوبة، فأجاب الله قولهم وأعطاهم مطلوبهم فإذا قبل شفاعة المؤمنين في العفو عن الذنب، فلأن يقبل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيه كان أولى.
النوع الرابع: من دعائهم.
* (ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (وآتنا ما وعدتنا على رسلك) * فيه حذف المضاف ثم فيه وجوه أحدها: وآتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك. وثانيها: وآتنا ما وعدتنا على تصديق رسلك، والدليل عليه أن هذه الآية مذكورة عقيب ذكر المنادي للايمان وهو، الرسول وعقيب قوله: * (آمنا) * وهو التصديق.
المسألة الثانية: ههنا سؤال: وهو أن الخلف في وعد الله محال، فكيف طلبوا بالدعاء ما علموا أنه لا محالة واقع؟
والجواب عنه من وجوه: الأول: أنه ليس المقصود من الدعاء طلب الفعل، بل المقصود منه إظهار الخضوع والذلة والعبودية، وقد أمرنا بالدعاء في أشياء نعلم قطعا أنها توجد لا محالة، كقوله: * (قل رب احكم بالحق) * (الأنبياء: 112) وقوله: * (فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك) * (غافر: 7).
والوجه الثاني في الجواب: أن وعد الله لا يتناول آحاد الأمة بأعيانهم، بل إنما يتناولهم بحسب أوصافهم، فإنه تعالى وعد المتقين بالثواب، ووعد الفساق بالعقاب، فقوله: * (وآتنا ما وعدتنا) * معناه: وفقنا للأعمال التي بها نصير أهلا لوعدك، واعصمنا من الأعمال التي نصير بها أهلا للعقاب