لا يخزى لقوله تعالى: * (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) * فوجب من مجموع هاتين الآيتين أن لا يكون صاحب الكبيرة مؤمنا. والجواب: أن قوله * (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) * (التحريم: 8) لا يقتضي نفي الاخزاء مطلقا، وإنما يقتضي أن لا يحصل الاخزاء حال ما يكون مع النبي، وهذا النفي لا يناقضه إثبات الاخزاء في الجملة لاحتمال أن يحصل ذلك الاثبات في وقت آخر، هذا هو الذي صح عندي في الجواب، وذكر الواحدي في البسيط أجوبة ثلاثة سوى ما ذكرناه: أحدها: أنه نقل عن سعيد بن المسيب والثوري وقتادة أن قوله: * (إنك من تدخل النار فقد أخزيته) * مخصوص بمن يدخل النار للخلود، وهذا الجواب عندي ضعيف، لأن مذهب المعتزلة أن كل فاسق دخل النار فإنما دخلها للخلود، فهذا لا يكون سؤالا عنهم. ثانيها: قال: المدخل في النار مخزي في حال دخوله وإن كانت عاقبته أن يخرج منها، وهذا ضعيف أيضا لأن موضع الاستدلال أن قوله: * (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) * (التحريم: 8) يدل على نفي الخزي عن المؤمنين على الاطلاق، وهذه الآية دلت على حصول الخزي لكل من دخل النار، فحصل بحكم هاتين الآيتين بين كونه مؤمنا وبين كونه كافرا ممن يدخل النار منافاة، وثالثها: قال: الاخزاء يحتمل وجهين: أحدهما: الاهانة والاهلاك، والثاني: التخجيل، يقال: خزي خزاية إذا استحيا، وأخزاه غيره إذا عمل به عملا يخجله ويستحيى منه.
واعلم أن حاصل هذا الجواب: أن لفظ الاخزاء لفظ مشترك بين التخجيل وبين الاهلاك، واللفظ المشترك لا يمكن حمله في طرفي النفي والاثبات على معنييه جميعا، وإذا كان كذلك جاز أن يكون المنفى بقوله: * (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) * غير المثبت في قوله: * (إنك من تدخل النار فقد أخزيته) * وعلى هذا يسقط الاستدلال، إلا أن هذا الجواب إنما يتمشى إذا كان لفظ الاخزاء مشتركا بين هذين المفهومين، أما إذا كان لفظا متواطئا مفيدا لمعنى واحد، وكان المعنيان اللذان ذكرهما الواحدي نوعين تحت جنس واحد، سقط هذا الجواب لأن قوله: * (لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) * لنفي الجنس وقوله: * (فقد أخزيته) * لاثبات النوع، وحينئذ يحصل بينهما منافاة.
المسألة الرابعة: احتجت المرجئة بهذه الآية في القطع على أن صاحب الكبيرة لا يخزي. وكل من دخل النار فإنه يخزي، فيلزم القطع بأن صاحب الكبيرة لا يدخل النار، إنما قلنا صاحب الكبيرة لا يخزى. لأن صاحب الكبيرة مؤمن، والمؤمن لا يخزى. إنما قلنا إنه مؤمن لقوله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) * (الحجرات: 9) سمي الباغي حال كونه باغيا مؤمنا، والبغي من الكبائر بالاجماع، وأيضا