قوله تعالى * (فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا فى سبيلى وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجرى من تحتها الانهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) *.
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم عرفوا الله بالدليل وهو قوله: * (إن في خلق السماوات والأرض) * (البقرة: 164) إلى قوله: * (لآيات لأولي الألباب) * (آل عمران: 190) ثم حكى عنهم مواظبتهم على الذكر وهو قوله: * (الذين يذكرون الله قياما) * وعلى التفكر وهو قوله: * (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) * ثم حكى عنهم أنهم أثنوا على الله تعالى وهو قولهم: * (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك) * (آل عمران: 191) ثم حكى عنهم أنهم بعد الثناء اشتغلوا بالدعاء وهو من قولهم: * (فقنا عذاب النار) * (آل عمران: 191) إلى قوله: * (إنك لا تخلف الميعاد) * (آل عمران: 194) بين في هذه الآية أنه استجاب دعاءهم فقال: * (فاستجاب لهم ربهم) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: في الآية تنبيه على أن استجابة الدعاء مشروطة بهذه الأمور، فلما كان حصول هذه الشرائط عزيزا، لا جرم كان الشخص الذي يكون مجاب الدعاء عزيزا.
المسألة الثانية: قال صاحب الكشاف: يقال استجابه واستجاب له، قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا * فلم يستجبه عند ذاك مجيب وقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول) * (الأنفال: 34).
المسألة الثالثة: أني لا أضيع: قرىء بالفتح، والتقدير: بأني لا أضيع، وبالكسر على إرادة القول، وقرئ * (لا أضيع) * بالتشديد.
المسألة الرابعة: من: في قوله: * (من ذكر) * قيل للتبيين كقوله: * (فاجتبوا الرجس من الأوثان) * (الحج: 30) وقيل: إنها مؤكدة للنفي بمعنى: عمل عامل منكم ذكر أو أنثى.