فيه بالاجماع. ورابعها: أن على تقدير وجوب هذا الحكم تكون هذه الآية منسوخة. قال ابن عباس في رواية عطاء: وهذه الآية منسوخة بآية المواريث، وهذا قول سعيد بن المسيب والضحاك وقال في رواية عكرمة: الآية محكمة غير منسوخة وهو مذهب أبي موسى الأشعري وإبراهيم النخعي والشعبي والزهري ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير، فهؤلاء كانوا يعطون من حضر شيئا من التركة. روي أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قسم ميراث أبيه وعائشة حية، فلم يترك في الدار أحدا إلا أعطاه، وتلا هذه الآية، فهذا كله تفصيل قول من قال بأن هذا الحكم ثبت على سبيل الوجوب، ومنهم من قال: انه ثبت على سبيل الندب والاستحباب، لا على سبيل الفرض والايجاب، وهذا الندب أيضا إنما يحصل إذا كانت الورثة كبارا، أما إذا كانوا صغارا فليس إلا القول المعروف، وهذا المذهب هو الذي عليه فقهاء الأمصار. واحتجوا بأنه لو كان لهؤلاء حق معين لبين الله تعالى قدر ذلك الحق كما في سائر الحقوق، وحيث لم يبين علمنا أنه غير واجب، ولأن ذلك لو كان واجبا لتوفرت الدواعي على نقله لشدة حرص الفقراء والمساكين على تقديره، ولو كان ذلك لنقل على سبيل التواتر، ولما لم يكن الأمر كذلك علمنا أنه غير واجب.
القول الثاني: في تفسير الآية: أن المراد بالقسمة الوصية، فإذا حضرها من لا يرث من الأقرباء واليتامى والمساكين أمر الله تعالى أن يجعل لهم نصيبا من تلك الوصية، ويقول لهم مع ذلك: قولا معروفا في الوقت، فيكون ذلك سببا لوصول السرور إليهم في الحال والاستقبال، والقول الأول أولى، لأنه تقدم ذكر الميراث ولم يتقدم ذكر الوصية، ويمكن أن يقال: هذا القول أولى لأن الآية التي تقدمت في الوصية.
القول الثالث: في تفسير الآية أن قوله: * (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) * فالمراد من * (أولى القربى) * الذين يرثون والمراد من * (اليتامى والمساكين) * الذين لا يرثون.
ثم قال: * (فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا) * فقوله: * (فارزقوهم) * راجع إلى القربى الذين يرثون وقوله: * (وقولوا لهم قولا معروفا) * راجع إلى اليتامى والمساكين الذين لا يرثون، وهذا القول محكى عن سعيد بن جبير.
المسألة الثانية: قال صاحب الكشاف: الضمير في قوله: * (فارزقوهم منه) * عائد إلى ما ترك الوالدان والأقربون، وقال الواحدي: الضمير عائد إلى الميراث فتكون الكناية على هذا الوجه عائدة إلى معنى القسمة، لا إلى لفظها كقوله: * (ثم استخرجها من وعاء أخيه) * (يوسف: 76) والصواع مذكر لا يكنى عنه بالتأنيث، لكن أريد به المشربة فعادت الكناية إلى المعنى لا إلى اللفظ، وعلى هذا التقدير