والأرض، يعني: أن الخلق إذا تفكروا في هذه الأجسام العظيمة لم يعرفوا منها إلا هذا القدر، وهو أن خالقها ما خلقها باطلا، بل خلقها لحكم عجيبة، وأسرار عظيمة، وإن كانت العقول قاصرة عن معرفتها.
المسألة الثانية: المقصود منه تعليم الله عباده كيفية الدعاء، وذلك أن من أراد الدعاء فلا بد وأن يقدم الثناء ثم يذكر بعده الدعاء كما في هذه الآية.
أما قوله تعالى: * (فقنا عذاب النار) * فاعلم أنه تعالى لما حكى عن هؤلاء العباد المخلصين أن ألسنتهم مستغرقة بذكر الله تعالى، وأبدانهم في طاعة الله، وقلوبهم في التفكر في دلائل عظمة الله، ذكر أنهم مع هذه الطاعات يطلبون من الله أن يقيهم عذاب النار، ولولا أنه يحسن من الله تعذيبهم وإلا لكان هذا الدعاء عبثا، فان كان المعتزلة ظنوا أن أول الآية حجة لهم، فليعلموا أن آخر هذه الآية حجة لنا في أنه لا يقبح من الله شيء أصلا، ومثل هذا التضرع ما حكاه الله تعالى عن إبراهيم في قوله: * (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) * (الشعراء: 82).
النوع الثاني من دعواتهم: قوله تعالى حكاية عنهم: * (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنهم لما سألوا ربهم أن يقيهم عذاب النار أتبعوا ذلك بما يدل على عظم ذلك العقاب وشدته وهو الخزي، ليكون موقع السؤال أعظم، لأن من سأل ربه أن يفعل شيئا أو أن لا يفعله، إذا شرح عظم ذلك المطلوب وقوته كانت داعيته في ذلك الدعاء أكمل وإخلاصه في طلبه أشد، والدعاء لا يتصل بالإجابة إلا إذا كان مقرونا بالأخص، فهذا تعليم من الله عباده في كيفية إيراد الدعاء.
المسألة الثانية: قال الواحدي: الاخزاء في اللغة يرد على معان يقرب بعضها من بعض. قال الزجاج: أخزى الله العدو، أي أبعده وقال غيره: أخزاه الله. أي أهانه، وقال شمر بن حمدويه أخزاه الله أي فضحه الله، وفي القرآن * (ولا تخزون في ضيفي) * (هود: 78) وقال المفضل: أخزاه الله. أي أهلكه وقال ابن الأنباري: الخزي في اللغة الهلاك بتلف أو انقطاع حجة أو بوقوع في بلاء، وكل هذه الوجوه متقاربة. ثم قال صاحب " الكشاف ": * (فقد أخزيته) * أي قد أبلغت في إخزائه وهو نظير ما يقال: من سبق فلانا فقد سبق، ومن تعلم من فلان فقد تعلم.
المسألة الثالثة: قالت المعتزلة هذه الآية دالة على أن صاحب الكبيرة من أهل الصلاة ليس بمؤمن، وذلك لأن صاحب الكبيرة إذا دخل النار فقد أخزاه الله لدلالة هذه الآية، والمؤمن