السماوات والأرض وتبقى الأملاك ولا مالك لها إلا الله، فجرى هذا مجرى الوراثة إذ كان الخلق يدعون الأملاك، فلما ماتوا عنها ولم يخلفوا أحدا كان هو الوارث لها، والمقصود من الآية أنه يبطل ملك جمع المالكين إلا ملك الله سبحانه وتعالى، فيصير كالميراث. قال ابن الأنباري: يقال: ورث فلان علم فلان إذا انفرد به بعد أن كان مشاركا فيه، وقال تعالى: * (وورث سليمان داود) * (النمل: 16) وكان المعنى انفراده بذلك الأمر بعد أن كان داود مشاركا له فيه وغالبا عليه.
ثم قال تعالى: * (والله بما تعملون خبير) * قرأ ابن كثير وأبو عمرو * (بما يعملون) * بالياء على المغايبة كناية عن الذين يبخلون، والمعنى والله بما يعملون خبير من منعهم الحقوق فيجازيهم عليه، والباقون قرؤا بالتاء على الخطاب، وذلك لأن ما قبل هذه الآية خطاب وهو قوله: * (وان تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم) * (آل عمران: 179) والله بما تعملون خبير فيجازيكم عليه، والغيبة أقرب إليه من الخطاب قال صاحب الكشاف: الياء على طريقة الالتفات وهي أبلغ في الوعيد.
* (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنيآء سنكتب ما قالوا وقتلهم الانبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد) *.
اعلم أن في كيفية النظم وجهين: الأول: أنه تعالى لما أمر المكلفين في هذه الآيات ببذل النفس وبذل المال في سبيل الله وبالغ في تقرير ذلك، شرع بعد ذلك في حكاية شبهات القوم في الطعن في نبوته.
فالشبهة الأولى: أنه تعالى لما أمر بانفاق الأموال في سبيله قالت الكفار: انه تعالى لو طلب الانفاق في تحصيل مطلوبه لكان فقيرا عاجزا، لأن الذي يطلب المال من غيره يكون فقيرا، ولما كان الفقر على الله تعالى محالا، كان كونه طالبا للمال من عبيده محالا، وذلك يدل على أن محمدا كاذب في إسناد هذا الطلب إلى الله تعالى.