خاطر خطر ببالهم وكانوا مخطئين فيه. الثاني: انهم لما أذنبوا بسبب مفارقة ذلك المكان أزلهم الشيطان بشؤم هذه المعصية وأوقعهم في الهزيمة، لأن الذنب يجر إلى الذنب، كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة. ويكون لطفا فيها. الثالث: لما أذنبوا بسبب الفشل ومنازعة بعضهم مع بعض وقعوا في ذلك الذنب.
والوجه الثاني: أن يكون المعنى: استزلهم الشيطان في بعض ما كسبوا، لا في كل ما كسبوا، والمراد منه بيان انهم ما كفروا وما تركوا دينهم، بل هذه زلة وقعت لهم في بعض أعمالهم.
ثم قال تعالى: * (ولقد عفا الله عنهم) *.
واعلم أن هذه الآية دلت على أن تلك الزلة ما كانت بسبب الكفر، فان العفو عن الكفر لا يجوز لقوله تعالى: * (ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 48) ثم قالت المعتزلة: ذلك الذنب ان كان من الصغائر جاز العفو عنه من غير توبة، وان كان من الكبائر لم يجز الا مع التوبة، فههنا لا بد من تقدم التوبة منهم، وان كان ذلك غير مذكور في الآية، قال القاضي: والأقرب أن ذلك الذنب كان من الصغائر ويدل عليه وجهان: الأول: أنه لا يكاد في الكبائر يقال انها زلة، إنما يقال ذلك في الصغائر. الثاني: أن القوم ظنوا أن الهزيمة لما وقعت على المشركين لم يبق إلى ثباتهم في ذلك المكان حاجة، فلا جرم انتقلوا عنه وتحولوا لطلب الغنيمة، ومثل هذا لا يبعد أن يكون من باب الصغائر لأن للاجتهاد في مثله مدخلا، وأما على قول أصحابنا فالعفو عن الصغائر والكبائر جائز، فلا حاجة إلى هذه التكلفات.
ثم قال تعالى: * (ان الله غفور حليم) * أي غفور لمن تاب وأناب، حليم لا يعجل بالعقوبة. وقد احتج أصحابنا بهذه الآية على أن ذلك الذنب كان من الكبائر، لأنه لو كان من الصغائر لوجب على قول المعتزلة أن يعفو عنه، ولو كان العفو عنه واجبا لما حسن التمدح به، لأن من يظلم إنسانا فإنه لا يحسن أن يتمدح بأنه عفا عنه وغفر له، فلما ذكر هذا التمدح علمنا أن ذلك الذنب كان من الكبائر، ولما عفا عنه علمنا أن العفو عن الكبائر واقع والله أعلم.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا فى