التقدير: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين، فان الله تعالى وعد بنصرة هذا الدين، فان كنتم من المؤمنين علمتم أن هذه الواقعة لا تبقى بحالها، وأن الدولة تصير للمسلمين والاستيلاء على العدو يحصل لهم.
* (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين ءامنوا ويتخذ منكم شهدآء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين ءامنوا ويمحق الكافرين) *.
واعلم أن هذا من تمام قوله: * (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون) * (آل عمران: 139) فبين تعالى أن الذي يصيبهم من القرح لا يجب أن يزيل جدهم واجتهادهم في جهاد العدو، وذلك لأنه كما أصابهم ذلك فقد أصاب عدوهم مثله قبل ذلك، فإذا كانوا مع باطلهم، وسوء عاقبتهم لم يفتروا لأجل ذلك في الحرب، فبأن لا يلحقكم الفتور مع حسن العاقبة والتمسك بالحق أولى، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم * (قرح) * بضم القاف وكذلك قوله: * (من بعد ما أصابهم القرح) * (آل عمران: 172) والباقون بفتح القاف فيهما واختلفوا على وجوه: فالأول: معناهما واحد، وهما لغتان: كالجهد والجهد، والوجد والوجد، والضعف والضعف. والثاني: أن الفتح لغة تهامة والحجاز والضم لغة نجد. والثالث: أنه بالفتح مصدر وبالضم اسم. والرابع: وهو قول الفرار انه بالفتح الجراحة بعينها وبالضم ألم الجراحة. والخامس: قال ابن مقسم: هما لغتان الا أن المفتوحة توهم انها جمع قرحة.
المسألة الثانية: في الآية قولان: أحدهما: إن يمسسكم قرح يوم أحد فقد مسهم يوم بدر، وهو كقوله تعالى: * (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا) * (آل عمران: 165) والثاني: أن الكفار قد نالهم يوم أحد مثل ما نالكم من الجرح والقتل، لأنه قتل منهم نيف وعشرون رجلا، وقتل صاحب لوائهم والجراحات كثرت فيهم وعقر عامة خيلهم بالنبل، وقد كانت الهزيمة عليهم في أول النهار.
فان قيل كيف قال: * (قرح مثله) * وما كان قرحهم يوم أحد مثل قرح المشركين؟