إليه. أما قوله: * (وآتوا اليتامى أموالهم) * فهو عام وهذه الآية التي نحن فيها خاصة، والخاص مقدم على العام. وقوله: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) * فهو إنما يتناول هذه الواقعة لو ثبت أن أكل الوصي من مال الصبي بالمعروف ظلم، وهل النزاع الا فيه، وهو الجواب بعينه عن قوله: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * أما قوله: * (وأن تقوموا لليتامى بالقسط) * فهو إنما يتناول محل النزاع لو ثبت أن هذا الأكل ليس بقسط، والنزاع ليس إلا فيه، فثبت أن كلامه في هذا الموضع ساقط ركيك والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) *.
واعلم أن الأمة مجمعة على أن الوصي إذا دفع المال إلى اليتيم بعد صيرورته بالغا، فان الأولى والأحوط أن يشهد عليه لوجوه: أحدها: أن اليتيم إذا كان عليه بينة بقبض المال كان أبعد من أن يدعي ما ليس له، وثانيها: أن اليتيم إذا أقدم على الدعوى الكاذبة أقام الوصي الشهادة على أنه دفع ماله إليه. ثالثها: أن تظهر أمانة الوصي وبراءة ساحته، ونظيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب " فأمره بالاشهاد لتظهر أمانته وتزول التهمة عنه، فثبت بما ذكرنا من الاجماع والمعقول أن الأحوط هو الاشهاد. واختلفوا في أن الوصي إذا ادعى بعد بلوغ اليتيم انه قد دفع المال إليه هل هو مصدق؟ وكذلك لو قال: أنفقت عليه في صغره هل هو مصدق؟ قال مالك والشافعي: لا يصدق، وقال أبو حنيفة وأصحابه: يصدق، واحتج الشافعي بهذه الآية فان قوله: * (فأشهدوا عليهم) * أمر، وظاهر الأمر الوجوب، وأيضا قال الشافعي: القيم غير مؤتمن من جهة اليتيم، وإنما هو مؤتمن من جهة الشرع، وطعن أبو بكر الرازي في هذا الكلام مع السفاهة الشديدة وقال: لو كان ما ذكره علة لنفي التصديق لوجب أن لا يصدق القاضي إذا قال لليتيم: قد دفعت إليك لأنه لم يأتمنه، وكذلك يلزمه أن يقول في الأب إذا قال بعد بلوغ الصبي: قد دفعت مالك إليك أن لا يصدق لأنه لم يأتمنه، ويلزمه أيضا أن يوجب الضمان عليهم إذا تصادقوا بعد البلوغ انه قد هلك لأنه أمسك ماله من غير ائتمان له عليه، فيقال له: ان قولك هذا لبعيد عن معاني الفقه، أما النقض بالقاضي فبعيد، لأن القاضي حاكم فيجب إزالة التهمة عنه ليصير قضاؤه نافذا، ولولا ذلك لتمكن كل من قضى القاضي عليه بأن ينسبه إلى الكذب والميل والمداهنة، وحينئذ يحتاج القاضي إلى قاض آخر، ويلزم التسلسل، ومعلوم أن هذا المعنى غير موجود في وصي اليتيم، وأما الأب فالفرق ظاهر لوجهين: أحدهما: ان شفقته أتم من شفقة الأجنبي، ولا يلزم من قلة التهمة في حق الأب قلتها في حق الأجنبي، وأما إذا تصادقوا بعد