المسألة الثالثة: قوله: * (انقلبتم على أعقابكم) * أي صرتم كفارا بعد إيمانكم، يقال لكل من عاد إلى ما كان عليه: رجع وراءه وانقلب على عقبه ونكص على عقبيه، وذلك أن المنافقين قالوا لضعفة المسلمين: ان كان محمد قتل فالحقوا بدينكم، فقال بعض الأنصار: ان كان محمد قتل فان رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد. وحاصل الكلام انه تعالى بين أن قلته لا يوجب ضعفا في دينه بدليلين: الأول: بالقياس على موت سائر الأنبياء وقتلهم، والثاني: أن الحاجة إلى الرسول لتبليغ الدين وبعد ذلك فلا حاجة إليه، فلم يلزم من قتله فساد الدين والله أعلم.
المسألة الرابعة: ليس لقائل أن يقول: ان قوله: * (أفإن مات أو قتل) * شك وهو على الله تعالى لا يجوز، فانا نقول: المراد أنه سواء وقع هذا أو ذاك فلا تأثير له في ضعف الدين ووجوب الارتداد.
ثم قال تعالى: * (ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) * والغرض منه تأكيد الوعيد، لأن كل عاقل يعلم أن الله تعالى لا يضره كفر الكافرين، بل المراد أنه لا يضر الا نفسه، وهذا كما إذا قال الرجل لولده عند العتاب: ان هذا الذي تأتي به من الأفعال لا يضر السماء والأرض، ويريد به أنه يعود ضرره عليه فكذا ههنا، ثم أتبع الوعيد بالوعد فقال: * (وسيجزي الله الشاكرين) * فالمراد أنه لما وقعت الشبهة في قلوب بعضهم بسبب تلك الهزيمة ولم تقع الشبهة في قلوب العلماء الأقوياء من المؤمنين، فهم شكروا الله على ثباتهم على الايمان وشدة تمسكهم به، فلا جرم مدحهم الله تعالى بقوله: * (وسيجزي الله الشاكرين) * وروى محمد بن جرير الطبري عن علي رضي الله عنه أنه قال: المراد بقوله: * (وسيجزي الله الشاكرين) * أبو بكر وأصحابه، وروي عنه أنه قال أبو بكر من الشاكرين وهو من أحباء الله والله أعلم بالصواب.
* (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الاخرة نؤته منها وسنجزى الشاكرين) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في كيفية تعلق هذه الآية بما قبله وجوه: الأول: أن المنافقين أرجفوا أن محمد صلى الله عليه وسلم قد قتل، فالله تعالى يقول: انه لا تموت نفس الا بإذن الله وقضائه وقدره،