مثلا للآخر. الرابع: المقصود المبالغة في وصف سعة الجنة وذلك لأنه لا شيء عندنا أعرض منهما ونظيره قوله: * (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) * (هود: 107) فان أطول الأشياء بقاء عندنا هو السماوات والأرض، فخوطبنا على وفق ما عرفناه، فكذا ههنا.
السؤال الثاني: لم خص العرض بالذكر.
والجواب فيه وجهان: الأول: أنه لما كان العرض ذلك فالظاهر أن الطول يكون أعظم ونظيره قوله: * (بطائنها من إستبرق) * (الرحمن: 54) وإنما ذكر البطائن لأن من المعلوم أنها تكون أقل حالا من الظهارة، فإذا كانت البطانة هكذا فكيف الظهارة؟ فكذا ههنا إذا كان العرض هكذا فكيف الطول والثاني: قال القفال: ليس المراد بالعرض ههنا ما هو خلاف الطول، بل هو عبارة عن السعة كما تقول العرب: بلاد عريضة، ويقال هذه دعوى عريضة، أي واسعة عظيمة، والأصل فيه ان ما اتسع عرضه لم يضق، وما ضاق عرضه دق، فجعل العرض كناية عن السعة.
السؤال الثالث: أنتم تقولون: الجنة في السماء فكيف يكون عرضها كعرض السماء؟
والجواب من وجهين: الأول: أن المراد من قولنا انها فوق السماوات وتحت العرش، قال عليه السلام: في صفة الفردوس " سقفها عرش الرحمن " وروي أن رسول هرقل سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: انك تدعو إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين فأين النار؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار. والمعنى والله أعلم أنه إذا دار الفلك حصل النهار في جانب من العالم والليل في ضد ذلك الجانب، فكذا الجنة في جهة العلو والنار في جهة السفل، وسئل أنس بن مالك عن الجنة أفي الأرض أم في السماء؟ فقال: وأي أرض وسماء تسع الجنة، قيل فأين هي؟ قال: فوق السماوات السبع تحت العرش.
والوجه الثاني: أن الذين يقولون الجنة والنار غير مخلوقتين الآن، بل الله تعالى يخلقهما بعد قيام القيامة، فعلى هذا التقدير لا يبعد أن تكون الجنة مخلوقة في مكان السماوات والنار في مكان الأرض والله أعلم.
أما قوله: * (أعدت للمتقين) * فظاهره يدل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن وقد سبق تقرير ذلك قوله تعالى:
* (الذين ينفقون فى السرآء والضرآء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) *