والخزي، وعلى هذا التقدير يكون المقصود من هذه الآية طلب التوفيق للطاعة والعصمة عن المعصية.
الوجه الثالث: ان الله تعالى وعد المؤمنين بأن ينصرهم في الدنيا ويقهر عدوهم، فهم طلبوا تعجيل ذلك، وعلى هذا التقدير يزول الاشكال.
المسألة الثالثة: الآية دلت على أنهم إنما طلبوا منافع الآخرة بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق لأنهم قالوا: ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، وفي آخر الكلام قالوا: * (إنك لا تخلف الميعاد) * وهذا يدل على أن المقتضى لحصول منافع الآخرة هو الوعد لا الاستحقاق.
المسألة الرابعة: ههنا سؤال آخر: وهو أنه متى حصل الثواب كان اندفاع العقاب لازما لا محالة، فقوله: * (آتنا ما وعدتنا على رسلك) * طلب للثواب، فبعد طلب الثواب كيف طلب ترك العقاب؟ وهو قوله: * (ولا تخزنا يوم القيامة) * بل لو طلب ترك العقاب أولا ثم طلب إيصال الثواب كان الكلام مستقيما.
والجواب من وجهين: الأول: أن الثواب شرطه أن يكون منفعة مقرونة بالتعظيم والسرور فقوله: * (آتنا ما وعدتنا على رسلك) * المراد منه المنافع، وقوله: * (ولا تخزنا) * المراد منه التعظيم، الثاني: أنا قد بينا أن المقصود من هذه الآية طلب التوفيق على الطاعة والعصمة عن المعصية، وعلى هذا التقدير يحسن النظم كأنه قيل: وفقنا للطاعات، وإذا وفقنا لها فاعصمنا عما يبطلها ويزيلها ويوقعنا في الخزي والهلاك، والحاصل كأنه قيل: وفقنا لطاعتك فانا لا نقدر على شيء من الطاعات إلا بتوفيقك، وإذا وفقت لفعلها فوفقنا لاستبقائها فانا لا نقدر على استبقائها واستدامتها إلا بتوفيقك، وهو إشارة إلى أن العبد لا يمكنه عمل من الأعمال، ولا فعل من الأفعال، ولا لمحة ولا حركة إلا بإعانة الله وتوفيقه.
المسألة الخامسة: قوله: * (ولا تخزنا يوم القيامة) * شبيه بقوله: * (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) * (الزمر: 47) فإنه ربما ظن الانسان أنه على الاعتقاد الحق والعمل الصالح، ثم انه يوم القيامة يظهر له أن اعتقاده كان ضلالا وعمله كان ذنبا، فهناك تحصل الخجالة العظيمة والحسرة الكاملة والأسف الشديد، ثم قال حكماء الاسلام: وذلك هو العذاب الروحاني. قالوا: وهذا العذاب أشد من العذاب الجسماني، ومما يدل على هذا أنه سبحانه حكى عن هؤلاء العباد المؤمنين أنهم طلبوا في هذا الدعاء أشياء فأول مطالبهم الاحتراز عن العذاب الجسماني وهو قوله: * (فقنا عذاب النار) * (آل عمران: 191) وآخرها الاحتراز عن العذاب الروحاني وهو قوله: * (ولا تخزنا يوم القيامة) * وذلك يدل على أن العذاب الروحاني أشد من العذاب الجسماني.