بعد الوصية كما هي معتبرة بعد الدين، بل فرق بين الدين وبين الوصية من جهة أخرى، وهي أنه لو هلك من المال شيء دخل النقصان في أنصباء أصحاب الوصايا وفي أنصباء أصحاب الإرث، وليس كذلك الدين، فإنه لو هلك من المال شيء استوفى الدين كله من الباقي، وإن استغرقه بطل حق الموصى له وحق الورثة جميعا، فالوصية تشبه الإرب من وجه، والدين من وجه آخر، أما مشابهتها بالإرث فما ذكرنا أنه متى هلك من المال شيء دخل النقصان في أنصباء أصحاب الوصية والإرث، وأما مشابهتها بالدين فلأن سهام أهل المواريث معتبرة بعد الوصية كما أنها معتبرة بعد الدين والله أعلم. المسألة الثالثة: لقائل أن يقول: ما معنى " أو " ههنا وهلا قيل: من بعد وصية يوصى بها ودين، والجواب من وجهين: الأول: أن " أو " معناها الإباحة كما لو قال قائل: جالس الحسن أو ابن سيرين والمعنى أن كل واحد منهما أهل أن يجالس، فان جالست الحسن فأنت مصيب، أو ابن سيرين فأنت مصيب، وإن جمعتهما فأنت مصيب، أما لو قال: جالس الرجلين فجالست واحدا منهما وتركت الآخر كنت غير موافق للأمر، فكذا ههنا لو قال: من بعد وصية ودين وجب في كل مال أن يحصل فيه الأمران، ومعلوم أنه ليس كذلك، أما إذا ذكره بلفظ " أو " كان المعنى أن أحدهما إن كان فالميراث بعده، وكذلك إن كان كلاهما. الثاني: أن كلمة " أو " إذا دخلت على النفي صارت في معنى الواو كقوله: * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * (الإنسان: 24) وقوله: * (حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم) * (الأنعام: 146) فكانت " أو " ههنا بمعنى الواو، فكذا قوله تعالى: * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * لما كان في معنى الاستثناء صار كأنه قال إلا أن يكون هناك وصية أو دين فيكون المراد بعدهما جميعا.
المسألة الرابعة: قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم * (يوصى) * بفتح الصاد على ما لم يسم فاعله. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي بكسر الصاد إضافة إلى الموصى وهو الاختيار بدليل قوله تعالى: * (مما ترك إن كان له ولد) *.
قوله تعالى: * (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما) *.
اعلم أن هذا كلام معترض بين ذكر الوارثين وأنصبائهم وبين قوله: * (فريضة من الله) * ومن حق