والأرض) * إشارة إلى عبودية القلب والفكر والروح، والانسان ليس إلى هذا المجموع، فإذا كان اللسان مستغرقا في الذكر، والأركان في الشكر، والجنان في الفكر، كان هذا العبد مستغرقا بجميع أجزائه في العبودية، فالآية الأولى دالة على كمال الربوبية، وهذه الآية دالة على كمال العبودية، فما أحسن هذا الترتيب في جذب الأرواح من الخلق إلى الحق، وفي نقل الأسرار من جانب عالم الغرور إلى جناب الملك الغفور، ونقول في الآية مسائل:
المسألة الأولى: للمفسرين في هذه الآية قولان: الأول: أن يكون المراد منه كون الانسان دائم الذكر لربه، فان الأحوال ليست إلا هذه الثلاثة، ثم لما وصفهم بكونهم ذاكرين فيها كان ذلك دليلا على كونهم مواظبين على الذكر غير فاترين عنه البتة.
والقول الثاني: أن المراد من الذكر الصلاة، والمعنى أنهم يصلون في حال القيام، فان عجزوا ففي حال القعود، فان عجزوا ففي حال الاضطجاع، والمعنى أنهم لا يتركون الصلاة في شيء من الأحوال، والحمل على الأول أولى لأن الآيات الكثيرة ناطقة بفضيلة الذكر، وقال عليه الصلاة والسلام: " من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله ".
المسألة الثانية: يحتمل أن يكون المراد بهذا الذكر هو الذكر باللسان، وأن يكون المراد منه الذكر بالقلب، والأكمل أن يكون المراد الجمع بين الأمرين.
المسألة الثالثة: قال الشافعي رضي الله عنه: إذا صلى المريض مضطجعا وجب أن يصلي على جنبه، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: بل يصلى مستلقيا حتى إذا وجد خفة قعد، وحجة الشافعي رضي الله عنه ظاهر هذه الآية، وهو أنه تعالى مدح من ذكره على حال الاضطجاع على الجنب، فكان هذا الوضع أولى.
واعلم أن فيه دقيقة طبية وهو أنه ثبت في المباحث الطبية أن كون الانسان مستلقيا على قفاه يمنع من استكمال الفكر والتدبر، وأما كونه مضطجعا على الجنب فإنه غير مانع منه، وهذا المقام يراد فيه التدبر والتفكر، ولأن الاضطجاع على الجنب يمنع من النوم المغرق، فكان هذا الوضع أولى، لكونه أقرب إلى اليقظة، وإلى الاشتغال بالذكر.
المسألة الرابعة: محل * (على جنوبهم) * نصب على الحال عطفا على ما قبله، كأنه قيل: قياما وقعودا ومضطجعين.
واعلم أنه تعالى لما وصفهم بالذكر وثبت أن الذكر لا يكمل إلا مع الفكر، لا جرم قال بعده: * (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) * وفيه مسائل: