المسألة الأولى: أعلم أنهم طلبوا من الله تعالى في هذا الدعاء ثلاثة أشياء: أولها: غفران الذنوب، وثانيها: تكفير السيئات، وثالثها: أن تكون وفاتهم مع الأبرار. أما الغفران فهو الستر والتغطية، والتكفير أيضا هو التغطية، يقال: رجل مكفر بالسلاح، أي مغطى به، والكفر منه أيضا، وقال لبيد: في ليلة كفر النجوم ظلامها إذا عرفت هذا: فالمغفرة والتكفير بحسب اللغة معناهما شيء واحد.
أما المفسرون فذكروا فيه وجوها: أحدها: أن المراد بهما شيء واحد وإنما أعيد ذلك للتأكيد لأن الالحاح في الدعاء والمبالغة فيه مندوب، وثانيها: المراد بالأول ما تقدم من الذنوب، وبالثاني المستأنف، وثالثها: أن يريد بالغفران ما يزول بالتوبة، وبالكفران ما تكفره الطاعة العظيمة، ورابعها: أن يكون المراد بالأول ما أتى به الانسان مع العلم بكونه معصية وذنبا، وبالثاني: ما أتى به الانسان مع جهله بكونه معصية وذنبا.
وأما قوله: * (وتوفنا مع الأبرار) * ففيه بحثان: الأول: أن الأبرار جمع بر أو بار، كرب وأرباب، وصاحب وأصحاب، الثاني: ذكر القفال في تفسير هذه المعية وجهين: الأول: أن وفاتهم معهم هي أن يموتوا على مثل أعمالهم حتى يكونوا في درجاتهم يوم القيامة، قد يقول الرجل أنا مع الشافعي في هذه المسألة، ويريد به كونه مساويا له في ذلك الاعتقاد، والثاني: يقال فلان في العطاء مع أصحاب الألوف، أي هو مشارك لهم في أنه يعطي ألفا. والثالث: أن يكون المراد منه كونهم في جملة أتباع الأبرار وأشياعهم، ومنه قوله: * (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين) * (النساء: 69). المسألة الثانية: احتج أصحابنا على حصول العفو بدون التوبة بهذه الآية أعني قوله تعالى حكاية عنهم: * (فاغفر لنا ذنوبنا) * (آل عمران: 16) والاستدلال به من وجهين: الأول: أنهم طلبوا غفران الذنوب ولم يكن للتوبة فيه ذكر، فدل على أنهم طلبوا المغفرة مطلقا، ثم إن الله تعالى أجابهم إليه لأنه قال في آخر الآية: * (فاستجاب لهم ربهم) * (آل عمران: 195) وهذا صريح في أنه تعالى قد يعفو عن الذنب وان لم توجد التوبة. والثاني: وهو أنه تعالى حكى عنهم أنهم لما أخبروا عن أنفسهم بأنهم آمنوا، فعند هذا قالوا: فاغفر لنا ذنوبنا، والفاء في قوله: * (فاغفر) * فاء الجزاء وهذا يدل على أن مجرد الايمان سبب لحسن طلب المغفرة من الله، ثم إن الله تعالى أجابهم إليه بقوله: * (فاستجاب لهم ربهم) * فدلت هذه الآية على أن مجرد الايمان سبب لحصول الغفران، إما من الابتداء وهو بأن يعفو عنهم ولا يدخلهم النار أو بأن يدخلهم النار ويعذبهم مدة ثم يعفو عنهم ويخرجهم من النار، فثبت دلالة هذه الآية من