الغاية، وصار بسبب ذلك الجد هذا المستقبل كالكائن الواقع.
الفائدة الثانية: انه تعالى لما عبر عن المستقبل بلفظ الماضي دل ذلك على أنه ليس المقصود الاخبار عن صدور هذا الكلام، بل المقصود الاخبار عن جدهم واجتهادهم في تقرير هذه الشبهة، فهذا هو الجواب المعتمد عندي والله أعلم.
الوجه الثاني في الجواب: أن الكلام خرج على سبيل حكاية الحال الماضية، والمعنى أن إخوانهم إذا ضربوا في الأرض، فالكافرون يقولون لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فمن أخبر عنهم بعد ذلك لا بد وأن يقول: قالوا، فهذا هو المراد بقولنا: خرج هذا الكلام على سبيل حكاية الحال الماضية.
الوجه الثالث: قال قطرب: كلمة " إذ " وإذا، يجوز إقامة كل واحدة منهما مقام الأخرى، وأقول: هذا الذي قاله قطرب كلام حسن، وذلك لأنا إذا جوزنا إثبات اللغة بشعر مجهول منقول عن قائل مجهول، فلأن يجوز اثباتها بالقرآن العظيم، كان ذلك أولى، أقصى ما في الباب أن يقال " إذ " حقيقة في المستقبل، ولكن لم لا يحوز استعماله في الماضي على سبيل المجاز لما بينه وبين كلمة " إذ " من المشابهة الشديدة؟ وكثيرا أرى النحويين يتحيرون في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن، فإذا استشهدوا في تقريره ببيت مجهول فرحوا به، وأنا شديد التعجب منهم، فإنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول على وفقه دليلا على صحته، فلأن يجعلوا ورود القرآن به دليلا على صحته كان أولى.
المسألة السادسة: * (غزى) * جمع غاز، كالقول والركع والسجد، جمع قائل وراكع وساجد، ومثله من الناقص " عفا " ويجوز أيضا: غزاة، مثل قضاة ورماة في جمع القاضي والرامي، ومعنى الغزو في كلام العرب قصد العدو، والمغزى المقصد.
المسألة السابعة: قال الواحدي: في الآية محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير: إذا ضربوا في الأرض فماتوا أو كانوا غزاة فقتلوا، لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فقوله: * (ما ماتوا وما قتلوا) * يدل على موتهم وقتلهم، ثم قال تعالى: * (ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم) * وفيه وجهان: الأول: أن التقدير أنهم قالوا ذلك الكلام ليجعل الله ذلك الكلام حسرة في قلوبهم، مثل ما يقال: ربيته ليؤذيني ونصرته ليقهرني ومثله قوله تعالى: * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) * (القصص: 8) إذا عرفت هذا فنقول: ذكروا في بيان أن ذلك القول كيف استعقب حصول الحسرة في قلوبهم وجوها: الأول: أن أقارب ذلك المقتول إذا سمعوا هذا الكلام ازدادت الحسرة في قلوبهم، لان أحدهم يعتقد أنه لو بالغ في منعه عن ذلك السفر وعن ذلك الغزو لبقي، فذلك الشخص انما مات أو قتل بسبب أن هذا الانسان قصر في