إن كان هذا المعبود لا ينصرني، فذاك الآخر ينصرني، وإن لم يحصل في قلبه الاضطرار لم تحصل الإجابة ولا النصرة، وإذا لم يحصل ذلك وجب أن يحصل الرعب والخوف في قلبه، فثبت أن الاشراك بالله يوجب الرعب.
أما قوله: * (ما لم ينزل به سلطانا) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: السلطان ههنا هو الحجة والبرهان، وفي اشتقاقه وجوه: الأول: قال الزجاج: إنه من السليط وهو الذي يضاء به السراج، وقيل للأمراء سلاطين لأنهم الذين بهم يتوصل الناس إلى تحصيل الحقوق. الثاني: أن السلطان في اللغة هو الحجة، وإنما قيل للأمير سلطان، لأن معناه أنه ذو الحجة. الثالث: قال الليث: السلطان القدرة، لأن أصل بنائه من التسليط وعلى هذا سلطان الملك: قوته وقدرته، ويسمى البرهان سلطانا لقوته على دفع الباطل. الرابع: قابل ابن دريد: سلطان كل شيء حدته، وهو مأخوذ من اللسان السليط، والسلاطة بمعنى الحدة.
المسألة الثانية: قوله: * (ما لم ينزل به سلطانا) * يوهم أن فيه سلطانا إلا أن الله تعالى ما أنزله وما أظهره، إلا أن الجواب عنه أنه لو كان لأنزل الله به سلطانا، فلما لم ينزل به سلطانا وجب عدمه، وحاصل الكلام فيه ما يقوله المتكلمون: أن هذا مما لا دليل علي فلم يجز إثباته، ومنهم من يبالغ فيقول: لا دليل عليه فيجب نفيه، ومنهم من احتج بهذا الحرف على وحدانية الصانع، فقال: لا سبيل إلى اثبات الصانع إلا باحتياج المحدثات إليه، ويكفي في دفع هذه الحاجة اثبات الصانع الواحد، فما زاد عليه لا سبيل إلى اثباته فلم يجز اثباته.
المسألة الثالثة: هذه الآية دالة على فساد التقليد، وذلك لأن الآية دالة على أن الشرك لا دليل عليه، فوجب أن يكون القول به باطلا، وهذا إنما يصح إذا كان القول باثبات ما لا دليل على ثبوته يكون باطلا، فيلزم فساد القول بالتقليد.
ثم قال تعالى: * (ومأواهم النار) *.
واعلم أنه تعالى بين أن أحوال هؤلاء المشركين في الدنيا هو وقوع الخوف في قلوبهم، وبين أحوالهم في الآخرة، وهي أن مأواهم ومسكنهم النار.
ثم قال: * (وبئس مثوى الظالمين) * المثوى: المكان الذي يكون مقر الانسان ومأواه، من قولهم: ثوى يثوي ثويا، وجمع المثوى مثاوي.
* (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الامر