الاحتراز عن عقاب الآخرة، وهذا يمنع من لزوم التكليف، والمقصود من هذه الآيات تقرير الأمر بالجهاد والتكليف، وإذا كان الجواب يفضي بالآخرة إلى سقوط التكليف كان هذا الكلام يقضي ثبوته إلى نفيه فيكون باطلا.
الجواب: ان حسن التكليف عندنا غير معلل بعلة ورعاية مصلحة، بل عندنا أنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
والوجه الثاني: في تأويل الآية: أنه ليس الغرض من هذا الكلام الجواب عن تلك الشبهة بل المقصود أنه تعالى لما نهى المؤمنين عن أن يقولوا مثل قول المنافقين، قال: * (والله يحيى ويميت) * يريد: يحيي قلوب أوليائه وأهل طاعته بالنور والفرقان، ويميت قلوب أعدائه من المنافقين.
ثم قال تعالى: * (والله بما تعملون بصير) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: المقصود منه الترغيب والترهيب فيما تقدم ذكره من طريقة المؤمنين وطريقة المنافقين.
المسألة الثانية: قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي * (يعملون) * كناية عن الغائبين، والتقدير * (ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيى ويميت والله بما تعملون بصير) * والباقون بالتاء على الخطاب ليكون وفقا لما قبله في قوله: * (لا تكونوا كالذين كفروا) * ولما بعده في قوله: * (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم) *.
ثم قال تعالى: * (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما تجمعون) *.
واعلم أن هذا هو الجواب الثاني عن شبهة المنافقين، وتقريره أن هذا الموت لا بد واقع ولا محيص للانسان من أن يقتل أو يموت، فإذا وقع هذا الموت أو القتل في سبيل الله وفي طلب رضوانه، فهو خير من أن يجعل ذلك في طلب الدنيا ولذاتها التي لا ينتفع الانسان بها بعد الموت البتة، وهذا جواب في غاية الحسن والقوة، وذلك لأن الانسان إذا توجه إلى الجهاد أعرض قلبه عن الدنيا وأقبل على الآخرة، فإذا مات فكأنه تخلص عن العدو ووصل إلى المحبوب، وإذا جلس في بيته خائفا من الموت حريصا على جمع الدنيا، فإذا مات فكأنه حجب عن المعشوق وألقي في دار الغربة، ولا شك في كمال سعادة الأول، وكمال شقاوة الثاني.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ نافع وحمزة والكسائي (متم) بكسر الميم، والباقون بضم الميم، والأولون أخذوه من: مات يمات مت، مثل هاب يهاب هبت، وخاف يخاف خفت، وروى المبرد هذه اللغة فان صح فقد صحت هذه القراءة، وأما قراءة الجمهور فهو مأخوذ من، مات يموت مت: مثل قال يقول قلت.