الكل فصار هذا الغم بحيث أذهلهم عن الغم الأول.
والوجه الرابع: أن الغم الأول ما وصل إليهم بسبب أنفسهم وأموالهم، والغم الثاني ما وصل إليهم بسبب الارجاف بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الآية قول ثالث اختاره القفال رحمه الله تعالى قال: وعندنا أن الله تعالى ما أراد بقوله: * (غما بغم) * اثنين، وإنما أراد مواصلة الغموم وطولها، أي ان الله عاقبكم بغموم كثيرة، مثل قتل إخوانكم وأقاربكم، ونزول المشركين من فوق الجبل عليكم بحيث لم تأمنوا أن يهلك أكثركم، ومثل إقدامكم على المعصية، فكأنه تعالى قال: أثابكم هذه الغموم المتعاقبة ليصير ذلك زاجرا لكم عن الاقدام على المعصية والاشتغال بما يخالف أمر الله تعالى.
المسألة الثالثة: معنى أن الله أثابهم غم بغم: أنه خلق الغم فيهم، وأما المعتزلة فهذا لا يليق بأصولهم، فذكروا في علة هذه الإضافة وجوها: الأول: قال الكعبي: ان المنافقين لما أرجفوا أن محمدا عليه الصلاة والسلام قد قتل ولم يبين الله تعالى كذب ذلك القائل، صار كأنه تعالى هو الذي فعل ذلك الغم، وهذا كالرجل الذي يبلغه الخبر الذي يغمه ويكون معه من يعلم أن ذلك الخبر كذب، فإذا لم يكشفه له سريعا وتركه يتفكر فيه ثم أعلمه فإنه يقول له: لقد غممتني وأطلت حزني وهو لم يفعل شيئا من ذلك، بل سكت وكف عن اعلامه، فكذا ههنا. الثاني: أن الغم وان كان من فعل البعد فسببه فعل الله تعالى، لأن الله طبع العباد طبعا يغتمون بالمصائب التي تنالهم وهم لا يحمدون على ذلك ولا يذمون. الثالث: أنه لا يبعد أن يخلق الله تعالى الغم في قلب بعض المكلفين لرعاية بعض المصالح.
ثم قال تعالى: * (لكيلا تحزنوا) * وفيه وجهان: الأول: انها متصلة بقوله: * (ولقد عفا عنكم) * (آل عمران: 152) كأنه قال: ولقد عفا عنكم لكيلا تحزنوا، لان في عفوه تعالى ما يزيل كل غم وحزن، والثاني: أن اللام متصلة بقوله: * (فأثابكم) * ثم على هذا القول ذكروا وجوها: الأول: قال الزجاج: المعنى أثابكم غم الهزيمة من غمكم النبي صلى الله عليه وسلم بسبب مخالفته، ليكون غمكم بأن خالفتموه فقط، لا بأن فاتتكم الغنيمة وأصابتكم الهزيمة، وذلك لان الغم الحاصل بسبب الاقدام على المعصية ينسي الغم الحاصل بسبب مصائب الدنيا. الثاني: قال الحسن: جعلكم مغمومين يوم أحد في مقابلة ما جعلتموهم مغمومين يوم بدر، لأجل أن يسهل أمر الدنيا في أعينكم فلا تحزنوا بفواتها ولا تفرحوا باقبالها، وهذان الوجهان مفرعان على قولنا الباء في قوله: * (غما بغم) * للمجازاة، أما إذا قلنا انها بمعنى " مع " فالمعنى أنكم قلتم لو بقينا في هذا المكان وامتثلنا أمر الرسول لوقعنا في غم فوات الغنيمة، فاعلموا أنكم