القول الثالث: أن معنى الآية: يخوف أولياءه المنافقين ليقعدوا عن قتال المشركين، والمعنى الشيطان يخوف أولياءه الذين يطيعونه ويؤثرون أمره، فأما أولياء الله، فإنهم لا يخافونه إذا خوفهم ولا ينقادون لأمره ومراده منهم، وهذا قول الحسن والسدي، فالقول الأول فيه محذوفان، والثاني فيه محذوف واحد، والثالث لا حذف فيه. وأما الأولياء فهم المشركون والكفار، وقوله: * (فلا تخافوهم) * الكناية في القولين الأولين عائدة إلى الأولياء. وفي القول الثالث عائدة إلى * (الناس) * في قوله: * (ان الناس قد جمعوا لكم) * (آل عمران: 173) * (فلا تخافوهم) * فتقعدوا عن القتال وتجنبوا * (وخافون) * فجاهدوا مع رسولي وسارعوا إلى ما يأمركم به * (ان كنتم مؤمنين) * يعني أن الايمان يقتضي أن تؤثروا خوف الله على خوف الناس.
* (ولا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا فى الاخرة ولهم عذاب عظيم) *.
فيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ نافع * (يحزنك) * بضم الياء وكسر الزاي، وكذلك في جميع ما في القرآن إلا قوله: * (لا يحزنهم الفزع الأكبر) * (الأنبياء: 103) في سورة الأنبياء، فإنه فتح الياء وضم الزاي، والباقون كلهم بفتح الياء وضم الزاي. قال الأزهري: اللغة الجيدة: حزنه يحزنه على ما قرأ به أكثر القراء، وحجة نافع أنهما لغتان يقال: حزن يحزن كنصر ينصر، وأحزن يحزن كأكرم يكرم لغتان.
المسألة الثانية: اختلفوا في سبب نزول الآية على وجوه: الأول: أنها نزلت في كفار قريش، والله تعالى جعل رسوله آمنا من شرهم، والمعنى: لا يحزنك من يسارع في الكفر بأن يقصد جمع العساكر لمحاربتك، فإنهم بهذا الصنيع إنما يضرون أنفسهم ولا يضرون الله، ولا بد من حمل ذلك على أنهم لن يضروا النبي وأصحابه من المؤمنين شيئا، وإذا حمل على ذلك فلا بد من حمله على ضرر مخصوص، لأن من المشهور أنهم بعد ذلك ألحقوا أنواعا من الضرر بالنبي عليه الصلاة والسلام، والأولى أن يكون ذلك محمولا على أن مقصودهم من جمع العساكر إبطال هذا الدين وإزالة هذه الشريعة، وهذا المقصود لا يحصل لهم، بل يضمحل أمرهم وتزول شوكتهم، ويعظم أمرك ويعلو شأنك. الثاني: أنها نزلت في المنافقين، ومسارعتهم هي أنهم كانوا يخوفون المؤمنين