الحوادث المكروهة في قصة أحد، فبين الله تعالى انه كان فيها مصالح. منها تمييز الخبيث من الطيب، فلما أجاب عن هذه الشبهة التي ذكرتموها قال: * (فآمنوا بالله ورسله) * يعني لما دلت الدلائل على نبوته وهذه الشبهة التي ذكرتموها في الطعن في نبوته فقد أجبنا عنها، فلم يبق إلا أن تؤمنوا بالله ورسله، وإنما قال: * (ورسله) * ولم يقل: ورسوله لدقيقة، وهي أن الطريق الذي به يتوصل إلى الاقرار بنبوة أحد من الأنبياء عليهم السلام ليس إلا المعجز وهو حاصل في حق محمد صلى الله عليه وسلم، فوجب الاقرار بنبوة كل واحد من الأنبياء، فلهذه الدقيقة قال: * (ورسله) * والمقصود التنبيه على أن طريق إثبات نبوة جميع الأنبياء واحد، فمن أقر بنبوة واحد منهم لزمه الاقرار بنبوة الكل، ولما أمرهم بذلك قرن به الوعد بالثواب فقال: * (وان تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم) * وهو ظاهر.
* (ولا يحسبن الذين يبخلون بمآ ءاتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والارض والله بما تعملون خبير) *.
اعلم أنه تعالى لما بالغ في التحريض على بذل النفس في الجهاد في الآيات المتقدمة شرع ههنا في التحريض على بذل المال في الجهاد، وبين الوعيد الشديد لمن يبخل ببذل المال في سبيل الله، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة * (ولا تحسبن) * بالتاء والباقون بالياء، أما قراءة حمزة بالتاء المنقطة من فوق فقال الزجاج: معناه ولا تحسبن بخل الذين يبخلون خيرا لهم، فحذف المضاف لدلالة يبخلون عليه، وأما من قرأ بالياء المنقطة من تحت ففيه وجهان: الأول: أن يكون فاعل * (يحسبن) * ضمير رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ضمير أحد، والتقدير: ولا يحسبن رسول الله أو لا يحسبن أحد بخل الذين يبخلون خيرا لهم. الثاني: أن يكون فاعل * (يحسبن) * هم الذين يبخلون، وعلى هذا التقدير يكون المفعول محذوفا، وتقديره: ولا يحسبن الذين يبخلون بخلهم هو خيرا لهم، وانما جاز حذفه لدلالة يبخلون عليه، كقوله: من كذب كان شرا له، أي الكذب، ومثله: