هو أنه ان كان المولى عليه صبيا، فالولي يعرفه ان المال ماله وهو خازن له، وأنه إذا زال صباه فإنه يرد المال إليه، ونظير هذه الآية قوله: * (فأما اليتيم فلا تقهر) * (الضحى: 9) معناه لا تعاشره بالتسلط عليه كما تعاشر العبيد، وكذا قوله: * (وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا) * (الإسراء: 28 (وان كان المولى عليه سفيها وعظه ونصحه وحثه على الصلاة، ورغبه في ترك التبذير والاسراف، وعرفه أن عاقبة التبذير الفقر والاحتياج إلى الخلق إلى ما يشبه هذا النوع من الكلام، وهذا الوجه أحسن من سائر الوجوه التي حكيناها.
* (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوهآ إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا) *.
واعلم أنه تعالى لما أمر من قبل بدفع مال اليتيم إليه بقوله: * (وآتوا اليتامى أموالهم) * (النساء: 2) بين بهذه الآية متى يؤتيهم أموالهم، فذكر هذه الآية وشرط في دفع أموالهم إليهم شرطين: أحدهما: بلوغ النكاح، والثاني: إيناس الرشد، ولا بد من ثبوتهما حتى يجوز دفع مالهم إليهم، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: تصرفات الصبي العاقل المميز باذن الولي صحيحة، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: غير صحيحة، احتج أبو حنيفة على قوله بهذه الآية، وذلك لان قوله: * (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) * يقتضي ان هذا الابتلاء انما يحصل قبل البلوغ، والمراد من هذا الابتلاء اختبار حاله في أنه هل له تصرف صالح للبيع والشراء، وهذا الاختبار انما يحصل إذا أذن له في البيع والشراء، وإن لم يكن هذا المعنى نفس الاختبار، فهو داخل في الاختبار بدليل أنه يصح الاستثناء، يقال: وابتلوا اليتامى إلا في البيع والشراء، وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه