وهذا تنصيص على أن الربا من الكبائر لا من الصغائر وتفسير قوله: * (لعلكم) * تقدم في سورة البقرة في قوله: * (اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) * وتمام الكلام في الربا أيضا مر في سورة البقرة.
ثم قال: * (واتقوا النار التي أعدت للكافرين) * وفيه سؤالات: الأول: أن النار التي أعدت للكافرين تكون بقدر كفرهم وذلك أزيد مما يستحقه المسلم بفسقه، فكيف قال: * (واتقوا النار التي أعدت للكافرين) *.
والجواب: تقدير الآية: اتقوا أن تجحدوا تحريم الربا فتصيروا كافرين.
السؤال الثاني: ظاهر قوله: * (أعدت للكافرين) * يقتضي أنها ما أعدت إلا للكافرين، وهذا يقتضي القطع بأن أحدا من المؤمنين لا يدخل النار وهو على خلاف سائر الآيات.
والجواب من وجوه: الأول: أنه لا يبعد أن يكون في النار دركات أعد بعضها للكفار وبعضها للفساق فقوله: * (النار التي أعدت للكافرين) * إشارة إلى تلك الدركات المخصوصة التي أعدها الله للكافرين، وهذا لا يمنع ثبوت دركات أخرى في النار أعدها الله لغير الكافرين. الثاني: أن كون النار معدة للكافرين، لا يمنع دخول المؤمنين، فيها لأنه لما كان أكثر أهل النار هم الكفار فلأجل الغلبة لا يبعد أن يقال: انها معدة لهم، كما أن الرجل يقول: لدابة ركبها الحاجة من الحوائج، إنما أعددت هذه الدابة للقاء المشركين، فيكون صادقا في ذلك وان كان هو قد ركبها في تلك الساعة لغرض آخر فكذا ههنا.
الوجه الثالث: في الجواب: أن القرآن كالسورة الواحدة فهذه الآية دلت على أن النار معدة للكافرين وسائر الآيات دالة أيضا على أنها معدة لمن سرق وقتل وزنى وقذف، ومثاله قوله تعالى: * (كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير) * (الملك: 8) وليس لجميع الكفار يقال ذلك، وأيضا قال تعالى: * (فكبكبوا فيها هم والغاوون) * (الشعراء: 94) إلى قوله: * (إذ نسويكم برب العالمين) * (الشعراء: 98) وليس هذا صفة جميعهم ولكن لما كانت هذه الشرائط مذكورة في سائر السور، كانت كالمذكورة ههنا، فكذا فيما ذكرناه والله أعلم.
الوجه الرابع: ان قوله: * (أعدت للكافرين) * اثبات كونها معدة لهم ولا يدل على الحصر كما أن قوله: في الجنة * (أعدت للمتقين) * (آل عمران: 133) لا يدل على أنه لا يدخلها سواهم من الصبيان والمجانين والحور العين.
الوجه الخامس: أن المقصود من وصف النار بأنها أعدت للكافرين تعظيم الزجر، وذلك لأن المؤمنين الذين خوطبوا باتقاء المعاصي إذا علموا بأنهم متى فارقوا التقوى أدخلوا النار المعدة للكافرين، وقد تقرر في عقولهم عظم عقوبة الكفار، كان انزجارهم عن المعاصي أتم،