الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين. وعن الشعبي أن رجلا ذكر عنه عثمان رضي الله عنه وحسن قتله، فقال الشعبي: صرت شريكا في دمه، ثم قرأ الشعبي * (قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم) * (آل عمران: 183) فنسب لهؤلاء قتلهم وكان بينهما قريب من سبعمائة سنة.
ثم قال تعالى: * (ونقول ذوقوا عذاب الحريق) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة * (سيكتب) * على لفظ ما لم يسم فاعله * (وقتلهم الأنبياء) * برفع اللام * (ويقول ذوقوا) * بالياء المنقطة من تحت، والباقون * (سنكتب ونقول) * بالنون.
المسألة الثانية: المراد أنه تعالى ينتقم من هذا القائل بأن يقول له ذق عذاب الحريق، كما أذقت المسلمين الغصص، والحريق هو المحرق كالأليم بمعنى المؤلم.
المسألة الثالثة: يحتمل أن يقال له هذا القول عند الموت أو عند الحشر أو عند قراءة الكتاب ويحتمل أن يكون هذا كناية عن حصول الوعيد، وإن لم يكن هناك قول:
المسألة الرابعة: لقائل أن يقول: إنهم أوردوا سؤالا وهو أن من يطلب المال من غيره كان فقيرا محتاجا، فلو طلب الله المال من عبيده لكان فقيرا وذلك محال، فوجب أن يقال: إنه لم يطلب المال من عبيده، وذلك يقدح في كون محمد عليه الصلاة والسلام صادقا في ادعاء النبوة فهو هو شبهة القوم فأين الجواب عنها؟ وكيف يحسن ذكر الوعيد على ذكرها قبل ذكر الجواب عنها؟
فنقول: إذا فرعنا على قول أصحابنا من أهل السنة والجماعة قلنا: يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد، فلا يبعد أن يأمر الله تعالى عبيده ببذل الأموال مع كونه تعالى أغنى الأغنياء.
وإن فرعنا على قول المعتزلة في أنه تعالى يراعي المصالح لم يبعد أن يكون في هذا التكليف أنواع من المصالح العائدة إلى العباد: منها: أن إنفاق المال يوجب زوال حب المال عن القلب، وذلك من أعظم المنافع، فإنه إذا مات فلو بقي في قلبه حب المال مع أنه ترك المال لكان ذلك سببا لتألم روحه بتلك المفارقة، ومنها: أن يتوسل بذلك الانفاق إلى الثواب المخلد المؤبد، ومنها: أن بسبب الانفاق يصير القلب فارغا عن حب ما سوى الله، وبقدر ما يزول عن القلب حب غير الله فإنه يقوى في حب الله، وذلك رأس السعادات، وكل هذه الوجوه قد ذكرها الله في القرآن وبينها مرارا وأطوارا، كما قال: * (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا) * (الكهف: 46) وقال: * (والآخرة خير وأبقى) * (الأعلى: 17) وقال: * (ورضوان من الله أكبر) * (التوبة: 72) وقال: * (فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) * (يونس: 58) فلما تقدم ذكر هذه الوجوه على الاستقصاء كان إيراد هذه الشبهة بعد تقدم هذه البينات محض التعنت، فلهذا اقتصر الله تعالى عند ذكرها على مجرد الوعيد.