على ما فعلوا من الذنوب حال ما كانوا عالمين بكونها محظورة محرمة لأنه قد يعذر من لا يعلم حرمة الفعل، أما العالم بحرمته فإنه لا يعذر في فعله البتة. الثاني: أن يكون المراد منه العقل والتمييز والتمكين من الاحتراز من الفواحش فيجري مجرى قوله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاث ".
ثم قال: * (أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الانهار) * والمعنى أن المطلوب أمران: الأول: الأمن من العقاب واليه الإشارة بقوله: * (مغفرة من ربهم) * والثاني: إيصال الثواب إليه وهو المراد بقوله: * (جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها) * ثم بين تعالى أن الذي يحصل لهم من ذلك وهو الغفران والجنات يكون أجرا لعملهم وجزاء عليه بقوله: * (ونعم أجر العاملين) * قال القاضي: وهذا يبطل قول من قال إن الثواب تفضل من الله وليس بجزاء على عملهم.
* (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا فى الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين * هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين) *.
اعلم أن الله تعالى لما وعد على الطاعة والتوبة من المعصية الغفران والجنات، أتبعه بذكر ما يحملهم على فعل الطاعة وعلى التوبة من المعصية وهو تأمل أحوال القرون الخالية من المطيعين والعاصين فقال: * (قد خلت من قبلكم سنن) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي: أصل الخلو في اللغة الانفراد والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه ويستعمل أيضا في الزمان بمعنى المضي لأن ما مضى انفرد عن الوجود وخلا عنه، وكذا الأمم الخالية، وأما السنة فهي الطريقة المستقيمة والمثال المتبع، وفي اشتقاق هذه اللفظة وجوه: الأول: أنها فعلة من سن الماء يسنه إذا والى صبه، والسن الصب للماء، والعرب شبهت الطريقة المستقيمة بالماء المصبوب فإنه لتوالي أجزاء الماء فيه على نهج واحد يكون كالشئ الواحد، والسنة فعلة بمعنى مفعول، وثانيها: أن تكون من: سننت النصل والسنان أسنه سنا فهو مسنون إذا حددته على المسن، فالفعل المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم سمي سنة على معنى أنه مسنون، وثالثها: أن يكون من قولهم: سن الإبل إذا أحسن الرعي، والفعل الذي داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم سمي سنة بمعنى أنه عليه الصلاة والسلام أحسن رعايته وادامته.
المسألة الثانية: المراد من الآية: قد انقضت من قبلكم سنن الله تعالى في الأمم السالفة، واختلفوا