أي كتبته، وكل كتاب زبور. قال الزجاج: الزبور كل كتاب ذي حكمة، وعلى هذا: الأشبه أن يكون معنى الزبور من الزبر الذي هو الزجر، يقال: زبرت الرجل إذا زجرته عن الباطل، وسمي الكتاب زبورا لما فيه من الزبر عن خلاف الحق، وبه سمي زبور داود لكثرة ما فيه من الزواجر والمواعظ. وقرأ ابن عباس * (وبالزبر) * أعاد الباء للتأكيد وأما " المنير " فهو من قولك أنرت الشيء أي أوضحته، وفي الآية مسألتان.
المسألة الأولى: المراد من البينات المعجزات ثم عطف عليها الزبر والكتاب، وهذا يقتضي أن يقال إن معجزاتهم كانت مغايرة لكتبهم، وذلك يدل على أن أحدا من الأنبياء ما كانت كتبهم معجزة لهم، فالتوراة والإنجيل والزبور والصحف ما كان شيء منها معجزة، وأما القرآن فهو وحده كتاب ومعجزة، وهذا أحد خواص الرسول عليه الصلاة والسلام.
المسألة الثانية: عطف " الكتاب المنير " على " الزبر " مع أن الكتاب المنير لا بد وأن يكون من الزبر، وإنما حسن هذا العطف لأن الكتاب المنير أشرف الكتب وأحسن الزبر، فحسن العطف كما في قوله: * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) * (الأحزاب: 7) وقال: * (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) * (البقرة: 98) ووجه زيادة الشرف فيه إما كونه مشتملا على جميع الشريعة، أو كونه باقيا على وجه الدهر، ويحتمل أن يكون المراد بالزبر: الصحف، وبالكتاب المنير التوراة والإنجيل والزبور.
قوله تعالى: * (كل نفس ذائقة الموت) *.
اعلم أن المقصود من هذه الآية تأكيد تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام والمبالغة في إزالة الحزن من قلبه وذلك من وجهين: أحدهما: أن عاقبة الكل الموت، وهذه الغموم والأحزان تذهب وتزول ولا يبقى شيء منها، والحزن متى كان كذلك لم يلتفت العاقل إليه. والثاني: ان بعد هذه الدار دار يتميز فيها المحسن عن المسئ، ويتوفر على عمل كل واحد ما يليق به من الجزاء، وكل واحد من هذين الوجهين في غاية القوة في إزالة الحزن والغم عن قلوب العقلاء، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: في قوله: * (كل نفس ذائقة الموت) * سؤال: وهو أن الله تعالى يسمى بالنفس قال: * (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) * وأيضا النفس والذات واحد فعلى هذا يدخل الجمادات تحت اسم النفس، ويلزم على هذا عموم الموت في الجمادات، وأيضا قال تعالى: * (فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) * (الزمر: 68) وذلك يقتضي أن لا يموت الداخلون في هذا