بالآفات والحسرات، ثم أنه بالعاقبة ينقطع وينقضي، وكيف لا يكون قليلا وقد كان معدوما من الأزل إلى الآن، وسيصير معدوما من الأزل إلى الأبد، فإذا قابلت زمان الوجود بما مضى وما يأتي وهو الأزل والأبد، كان أقل من أن يجوز وصفه بأنه قليل.
ثم قال تعالى: * (ثم مأواهم جهنم) * يعني أنه مع قلته يسبب الوقوع في نار جهنم أبد الآباد والنعمة القليلة إذا كانت سببا للمضرة العظيمة لم يعد ذلك نعمة، وهو كقوله: * (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) * (آل عمران: 178) وقوله: * (وأملي لهم ان كيدي متين) * (الأعراف: 183).
ثم قال: * (وبئس المهاد) * أي الفراش، والدليل على أنه بئس المهاد قوله تعالى: * (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) * (الزمر: 16) فهم بين أطباق النيران، ومن فوقهم غواش يأكلون النار ويشربون النار.
* (لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعيد أتبعه بالوعد بالنزل، والنزل ما يهيأ للضيف وقوله: * (لكن الذين اتقوا ربهم) * يتناول جميع الطاعات، لأنه يدخل في التقوى الاحتراز عن المنهيات، وعن ترك المأمورات. واحتج بعض أصحابنا بهذه الآية على الرؤية لأنه لما كانت الجنة بكليتها نزلا، فلا بد من الرؤية لتكون خلعة، ونظيره قوله تعالى: * (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا) * (الكهف: 107) وقوله: * (نزلا) * نصب على الحال من * (جنات) * لتخصيصها بالوصف، والعامل اللام، ويجوز أن يكون بمعنى مصدر مؤكد، لأن خلودهم فيها إنزالهم فيها أو نزولهم، وقال الفراء: هو نصب على التفسير كما تقول: هو لك هبة وبيعا وصدقة ثم قال: * (وما عند الله) * من الكثير الدائم * (خير للأبرار) * مما يتقلب فيه الفجار من القليل الزائل، وقرأ مسلمة بن محارب والأعمش * (نزلا) * بسكون الزاي، وقرأ يزيد بن القعقاع * (لكن الذين اتقوا) * بالتشديد.