صنم قائم لا يأكل ولا يشرب، وكان يقول: طوبى لعالم ناطق، ولمستمع واع، هذا علم علما فبذله، وهذا سمع خيرا فوعاه، قال عليه الصلاة والسلام: " من كتم علما عن أهله ألجم بلجام من نار " وعن علي رضي الله عنه: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا.
ثم قال تعالى: * (فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون) * والمراد أنهم لم يراعوه ولم يلتفتوا إليه، والنبذ وراء الظهر مثل الطرح وترك الاعتداد، ونقيضه: جعله نصب عينه وإلقاؤه بين عينيه وقوله: * (واشتروا به ثمنا قليلا) * معناه أنهم أخفوا الحق ليتوسلوا به إلى وجدان شيء من الدنيا، فكل من لم يبين الحق للناس وكتم شيئا منه لغرض فاسد، من تسهيل على الظلمة وتطييب لقلوبهم، أو لجر منفعة، أو لتقية وخوف، أو لبخل بالعلم دخل تحت هذا الوعيد.
* (لا تحسبن الذين يفرحون بمآ أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم * ولله ملك السماوات والارض والله على كل شىء قدير) *.
اعلم أن هذا من جملة ما دخل تحت قوله: * (ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) * (آل عمران: 186) فبين تعالى ان من جملة أنواع هذا الأذى أنهم يفرحون بما أتوا به من أنواع الخبث والتلبيس على ضعفة المسلمين، ويحبون أن يحمدوا بأنهم أهل البر والتقوى والصدق والديانة، ولا شك أن الانسان يتأذى بمشاهدة مثل هذه الأحوال، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بالمصابرة عليها، وبين ما لهم من الوعيد الشديد وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة وعاصم والكسائي بالتاء المنقطة من فوق، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالياء المنقطة من تحت، وكذا في قوله: * (فلا تحسبنهم) * أما القراءة الأولى ففيها وجهان: أحدهما: أن يقرأ كلاهما بفتح الباء. والثاني: أن يقرأ كلاهما بضم الباء، فمن قرأ بالتاء وفتح الباء فيهما جعل التقدير: لا تحسبن يا محمد، أو أيها السامع، ومن ضم الباء فيهما جعل الخطاب للمؤمنين: وجعل أحد المفعولين الذين يفرحون، والثاني: بمفازة وقوله: * (فلا تحسبنهم بمفازة) * تأكيد