على كمال الرحمة وكمال القهر، فهو لدلالته على كمال الرحمة أعظم أنواع الوعد، ولدلالته على كمال القهر أشد أنواع الوعيد. وثالثها: إدخال لام التأكيد في اسم الله حيث قال: * (لإلى الله) * وهذا ينبهك على أن الإلهية تقتضي هذا الحشر والنشر، كما قال: * (إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى) * (طه: 15) ورابعها: أن قوله: * (تحشرون) * فعل ما لم يسم فاعله، مع أن فاعل ذلك الحشر هو الله، وإنما لم يقع التصريح به لأنه تعالى هو العظيم الكبير الذي، شهدت العقول بأنه هو الله الذي يبدئ ويعيد، ومنه الانشاء والإعادة، فترك التصريح في مثل هذا الموضع أدل على العظمة، ونظيره قوله تعالى: * (وقيل يا أرض ابلعي ماءك) * (هود: 44) وخامسها: أنه أضاف حشرهم إلى غيرهم، وذلك ينبه العقل على أن جميع الخلق مضطرون في قبضة القدرة ونفاذ المشيئة، فهم سواء كانوا أحياء أم أمواتا لا يخرجون عن قهر الربوبية وكبرياء الإلهية. وسادسها: أن قوله: * (تحشرون) * خطاب مع الكل، فهو يدل على أن جميع العالمين يحشرون ويوقفون في عرصة القيامة وبساط العدل، فيجتمع المظلوم مع الظالم، والمقتول مع القاتل، والحق سبحانه وتعالى يحكم بين عبيده بالعدل المبرأ عن الجور، كما قال: * (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) * (الأنبياء: 47) فمن تأمل في قوله تعالى: * (لإلى الله تحشرون) * وساعده التوفيق علم أن هذه الفوائد التي ذكرناها كالقطرة من بحار الأسرار المودعة في هذه الآية، وتمسك القاضي بهذه الآية على أن المقتول ليس بميت، قال: لأن قوله: * (ولئن متم أو قتلتم) * يقتضي عطف المقتول على الميت، وعطف الشيء على نفسه ممتنع.
* (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) *.
واعلم أن القوم لما انهزموا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ثم عادوا لم يخاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتغليظ والتشديد، وإنما خاطبهم بالكلام اللين، ثم إنه سبحانه وتعالى لما أرشدهم في الآيات المتقدمة إلى ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وكان من جملة ذلك أن عفا عنهم، زاد