بل يجب أن يكون الاعتماد على إعانة الله وتسديده وعصمته، والمقصود أن لا يكون للعبد اعتماد على شيء إلا على الله في جميع الأمور.
المسألة الثانية: دلت الآية على أنه ليس التوكل أن يهمل الانسان نفسه، كما يقوله بعض الجهال، وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافيا للأمر بالتوكل، بل التوكل هو أن يراعي الانسان الأسباب الظاهرة، ولكن لا يعول بقلبه عليها، بل يعول على عصمة الحق.
المسألة الثالثة: حكي عن جابر بن زيد أنه قرأ * (فإذا عزمت) * بضم التاء، كأن الله تعالى قال للرسول إذا عزمت أنا فتوكل، وهذا ضعيف من وجهين: الأول: وصف الله بالعزم غير جائز، ويمكن أن يقال: هذا العزم بمعنى الايجاب والالزام، والمعنى وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت لك على شيء وأرشدتك إليه. فتوكل علي، ولا تشاور بعد ذلك أحدا. والثاني: أن القراءة التي لم يقرأ بها أحد من الصحابة لا يجوز إلحاقها بالقرآن والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (ان الله يحب المتوكلين) * والغرض منه ترغيب المكلفين في الرجوع إلى الله تعالى والاعراض عن كل ما سوى الله.
* (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون) *.
قال ابن عباس: ان ينصركم الله كما نصركم يوم بدر. فلا يغلبكم أحد، وان يخذلكم كما خذلكم يوم أحد لم ينصركم أحد. وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قيل المقصود من الآية الترغيب في الطاعة، والتحذير عن المعصية، وذلك لأنه تعالى بين فيما تقدم أن من اتقى معاصي الله تعالى نصره الله، وهو قوله: * (بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة) * (آل عمران: 125) ثم بين في هذه الآية أن من نصره الله فلا غالب له، فيحصل من مجموع هاتين المقدمتين، ان من اتقى الله فقد فاز بسعادة الدنيا والآخرة فإنه يفوز بسعادة لا شقاوة معها وبعز لا ذل معه، ويصير غالبا لا يغلبه أحد، وأما من أتى بالمعصية فان الله يخذله، ومن خذله الله فقد وقع في شقاوة لا سعادة معها، وذل لا عز معه.