الله عليه وسلم، وبالاقرار بنبوته ودينه، ثم أنهم فرحوا بكتمانهم لذلك وإعراضهم عن نصوص الله تعالى، ثم زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه، وقالوا: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة.
واعلم أن الأولى أن يحمل على الكل، لأن جميع هذه الأمور مشتركة في قدر واحد، وهو أن الانسان يأتي بالفعل الذي لا ينبغي ويفرح به، ثم يتوقع من الناس أن يصفوه بسداد السيرة واستقامة الطريقة والزهد والاقبال على طاعة الله.
المسألة الثالثة: في قوله: * (بما أتوا) * بحثان: الأول: قال الفراء: قوله: * (بما أتوا) * يريد فعلوه كقوله: * (واللذان يأتيانها منكم) * (النساء: 16) وقوله: * (لقد جئت شيئا فريا) * (مريم: 27) أي فعلت. قال صاحب " الكشاف ": أتى وجاء، يستعملان بمعنى فعل، قال تعالى: * (إنه كان وعده مأتيا) * (مريم: 61) * (لقد جئت شيئا فريا) * ويدل عليه قراءة أبي * (يفرحون بما فعلوا) *.
البحث الثاني: قرىء آتوا بمعنى أعطوا، وعن علي رضي الله عنه * (بما أوتوا) *.
المسألة الرابعة: قوله: * (بمفازة من العذاب) * أي بمنجاة منه، من قولهم: فاز فلان إذا نجا، وقال الفراء: أي ببعد من العذاب، لأن الفوز معناه التباعد من المكروه، وذكر ذلك في قوله: * (فقد فاز) * ثم حقق ذلك بقوله: * (ولهم عذاب أليم) * ولا شبهة أن الآية، واردة في الكفار والمنافقين الذين أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذاهم.
ثم قال: * (ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير) * أي لهم عذاب أليم ممن له ملك السماوات والأرض، فكيف يرجو النجاة من كان معذبه هذا القادر الغالب.
* (إن فى خلق السماوات والارض واختلاف اليل والنهار لايات لاولى الالباب) *.
اعلم أن المقصود من هذا الكتاب الكريم جذب القلوب والأرواح عن الاشتغال بالخلق إلى الاستغراق في معرفة الحق، فلما طال الكلام في تقرير الاحكام والجواب عن شبهات المبطلين عاد إلى إنارة القلوب بذكر ما يدل على التوحيد والإلهية والكبرياء والجلال، فذكر هذه الآية. قال ابن عمر: قلت لعائشة: أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت وأطالت ثم قالت: كل أمره عجب، أتاني في ليلتي فدخل في لحافي حتى ألصق جلده بجلدي،