هو أن هذا التبدل معناه: أن يأكلوا مال اليتيم سلفا مع التزام بدله بعد ذلك، وفي هذا يكون متبدلا الخبيث بالطيب.
ثم قال تعالى: * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) * وفيه وجهان: الأول: معناه ولا تضموا أموالهم إلى أموالكم في الانفاق حتى تفرقوا بين أموالكم وأموالهم في حل الانتفاع بها. والثاني: أن يكون " إلى " بمعنى " مع " قال تعالى: * (من أنصاري إلى الله) * (آل عمران: 52) أي مع الله، والأول: أصح.
واعلم أنه تعالى وان ذكر الأكل، فالمراد به التصرف لأن أكل مال اليتيم كما يحرم، فكذا سائر التصرفات المهلكة لتلك الأموال محرمة، والدليل عليه أن في المال ما لا يصح ان يؤكل، فثبت ان المراد منه التصرف، وإنما ذكر الأكل لأنه معظم ما يقع لأجله التصرف.
فان قيل: انه تعالى لما حرم عليهم أكل أموال اليتامى ظلما في الآية الأولى المتقدمة دخل فيها أكلها وحدها وأكلها مع غيرها، فما الفائدة في إعادة النهي عن أكلها مع أموالهم؟
قلنا: لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من حلال وهم مع ذلك يطمعون في أموال اليتامى، كان القبح أبلغ والذم أحق.
واعلم أنه تعالى عرف الخلق بعد ذلك أن أكل مال اليتيم من جميع الجهات المحرمة إثم عظيم فقال: * (انه كان حوبا كبيرا) * قال الواحدي رحمه الله: الكناية تعود إلى الأكل، وذلك لأن قوله: * (ولا تأكلوا) * دل على الأكل * (والحوب) * الاثم الكبير. قال عليه الصلاة والسلام: " ان طلاق أم أيوب لحوب " وكذلك الحوب والحاب ثلاث لغات في الاسم والمصدر قال الفراء: الحوب لأهل الحجاز، والحاب لتميم، ومعناه الاثم قال عليه الصلاة والسلام: " رب تقبل توبتي واغسل حوبتي " قال صاحب " الكشاف ": الحوب والحاب كالقول والقال. قال القفال: وكأن أصل الكلمة من التحوب وهو التوجع، فالحوب هو ارتكاب ما يتوجع المرتكب منه، وقال البصريون: الحوب بفتح الحاء مصدر، والحوب بالضم الاسم، والحوبة، المرة الواحدة، ثم يدخل بعضها في البعض كالكلام فإنه اسم، ثم يقال: قد كلمته كلاما فيصير مصدرا. قال صاحب " الكشاف ": قرأ الحسن حوبا، وقرئ: حابا.
* (وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النسآء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) *.
اعلم أن هذا من النوع الثاني من الأحكام التي ذكرها في هذه السورة وهو حكم الأنكحة وفي