ثم قال: * (فتنقلبوا خاسرين) *.
واعلم أن اللفظ لما كان عاما وجب أن يدخل فيه خسران الدنيا والآخرة، أما خسران الدنيا فلأن أشق الأشياء على العقلاء في الدنيا الانقياد للعدو والتذلل له وإظهار الحاجة إليه، وأما خسران الآخرة فالحرمان عن الثواب المؤبد والوقوع في العقاب المخلد.
ثم قال تعالى: * (بل الله مولاكم وهو خير الناصرين) * والمعنى أنكم إنما تطيعون الكفار لينصروكم ويعينوكم على مطالبكم وهذا جهل، لأنهم عاجزون متحيرون، والعاقل يطلب النصرة من الله تعالى، لأنه هو الذي ينصركم على العدو ويدفع عنكم كيده، ثم بين أنه خير الناصرين، ولو لم يكن المراد بقوله: * (مولاكم وهو خير الناصرين) * النصرة، لم يصح أن يتبعه بهذا القول، وإنما كان تعالى خير الناصرين لوجوه: الأول: أنه تعالى هو القادر على نصرتك في كل ما تريد، والعالم الذي لا يخفى عليه دعاؤك وتضرعك، والكريم الذي لا يبخل في جوده، ونصرة العبيد بعضهم لبعض بخلاف ذلك في كل هذه الوجوه، والثاني: أنه ينصرك في الدنيا والآخرة، وغيره ليس كذلك، والثالث: أنه ينصرك قبل سؤالك ومعرفتك بالحاجة، كما قال: * (قل من يكلؤكم بالليل والنهار) * (الأنبياء: 42) وغيره ليس كذلك.
واعلم أن قوله: * (وهو خير الناصرين) * ظاهره يقتضي أن يكون من جنس سائر الناصرين وهو منزه عن ذلك، لكنه ورد الكلام على حسب تعارفهم كقوله: * (وهو أهون عليه) * (الروم: 27).
* (سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بمآ أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين) *.
اعلم أن هذه الآية من تمام ما تقدم ذكره، فإنه تعالى ذكر وجوها كثيرة في الترغيب في الجهاد وعدم المبالاة بالكفار، ومن جملتها ما ذكر في هذه الآية أنه تعالى يلقي الخوف في قلوب الكفار، ولا شك أن ذلك مما يوجب استيلاء المسلمين عليهم، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اختلفوا في أن هذا الوعد هل هو مختص بيوم أحد، أو هو عام في جميع الأوقات؟ قال كثير من المفسرين: إنه مختص بهذا اليوم، وذلك لأن جميع الآيات المتقدمة إنما