مجموع ما قيل في هذه الآية والله أعلم بأسرار المخلوقات.
المسألة الثالثة: قال صاحب " الكشاف ": * (ولا تحسبن) * الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد وقرئ بالياء، وفيه وجوه: أحدها: ولا يحسبن رسول الله. والثاني: ولا يحسبن حاسب، والثالث: ولا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا قال: وقرئ * (تحسبن) * بفتح السين، وقرأ ابن عامر * (قتلوا) * بالتشديد والباقون بالتخفيف.
المسألة الرابعة: قوله: * (بل أحياء) * قال الواحدي: التقدير: بل هم أحياء، قال صاحب " الكشاف ": قرىء * (أحياء) * بالنصب على معنى بل أحسبهم أحياء. وأقول: إن الزجاج قال: ولو قرىء * (أحياء) * بالنصب لجاز على معنى بل أحسبهم أحياء، وطعن أبو علي الفارسي فيه فقال: لا يجوز ذلك لأنه أمر بالشك والأمر بالشك غير جائز على الله، ولا يجوز تفسير الحسبان بالعلم لأن ذلك لم يذهب إليه أحد من علماء أهل اللغة، وللزجاج أن يجيب فيقول: الحسبان ظن لا شك، فلم قلتم انه لا يجوز أن يأمر الله بالظن، أليس أن تكليفه في جميع المجتهدات ليس إلا بالظن.
وأقول: هذه المناظرة من الزجاج وأبي علي الفارسي تدل على أنه ما قرىء * (أحياء) * بالنصب بل الزجاج كان يدعي أن لها وجها في اللغة، والفارسي نازعه فيه، وليس كل ما له وجه في الاعراب جازت القراءة به.
أما قوله تعالى: * (عند ربهم) * ففيه وجوه: أحدها: بحيث لا يملك لهم أحد نفعا ولا ضرا إلا الله تعالى. والثاني: هم أحياء عند ربهم، أي هم أحياء في علمه وحكمه، كما يقال: هذا عند الشافعي كذا، وعند أبي حنيفة بخلافه. والثالث: ان * (عند) * معناه القرب والاكرام، كقوله: * (ومن عنده لا يستكبرون) * (الأنبياء: 19) وقوله: * (الذين عند ربك) * (الأعراف: 206).
أما قوله: * (يرزقون * فرحين بما آتاهم الله) * فاعلم أن المتكلمين قالوا الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم، فقوله: * (يرزقون) * إشارة إلى المنفعة، وقوله: * (فرحين) * إشارة إلى الفرح الحاصل بسبب ذلك التعظيم، وأما الحكماء فإنهم قالوا: إذا أشرقت جواهر الأرواح القدسية بالأنوار الإلهية كانت مبتهجة من وجهين: أحدهما: ان تكون ذواتها منيرة مشرقة متلألئة بتلك الجلايا القدسية والمعارف الإلهية. والثاني: بكونها ناظرة إلى ينبوع النور ومصدر الرحمة والجلالة، قالوا: وابتهاجها بهذا القسم الثاني أتم من ابتهاجها بالأول، فقوله: * (يرزقون) * إشارة إلى الدرجة الأولى وقوله: * (فرحين) * إشارة إلى الدرجة الثانية، ولهذا قال: * (فرحين بما آتاهم الله من فضله) * يعني ان فرحهم ليس بالرزق، بل بايتاء الرزق لأن المشغول بالرزق مشغول بنفسه، والناظر إلى إيتاء الرزق مشغول بالرازق، ومن