عزاء ومن جرعة غيظ كظمها " وقال عليه السلام " ليس الشديد بالصرعة لكنه الذي يملك نفسه عند الغضب ".
الصفة الثالثة: قوله تعالى: * (والعافين عن الناس) * قال القفال رحمه الله: يحتمل أن يكون هذا راجعا إلى ما ذم من فعل المشركين في أكل الربا، فنهى المؤمنون عن ذلك وندبوا إلى العفو عن المعسرين. قال تعالى: عقيب قصة الربا والتداين * (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم) * (البقرة: 280) ويحتمل أن يكون كما قال في الدية: * (فمن عفى له من أخيه شيء) * (البقرة: 178) إلى قوله: * (وأن تصدقوا خير لكم) * (البقرة: 280) ويحتمل أن يكون هذا بسبب غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مثلوا بحمزة وقال: " لأمثلن بهم " فندب إلى كظم هذا الغيظ والصبر عليه والكف عن فعل ما ذكر أنه يفعله من المثلة، فكان تركه فعل ذلك عفوا، قال تعالى: في هذه القصة * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) * (النحل: 126) قال صلى الله عليه وسلم: " لا يكون العبد ذا فضل حتى يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه " وروي عن عيسى بن مريم صلوات الله عليه: ليس الاحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك ذلك مكافأة انما الاحسان أن تحسن إلى من أساء إليك.
أما قوله تعالى: * (والله يحب المحسنين) * فاعلم أنه يجوز أن تكون اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون، وأن تكون للعهد فيكون إشارة إلى هؤلاء.
واعلم أن الاحسان إلى الغير إما أن يكون بايصال النفع إليه أو بدفع الضرر عنه. أما إيصال النفع إليه فهو المراد بقوله: * (الذين ينفقون في السراء والضراء) * ويدخل فيه انفاق العلم، وذلك بأن يشتغل بتعليم الجاهلين وهداية الضالين، ويدخل فيه إنفاق المال في وجوه الخيرات والعبادات وأما دفع الضرر عن الغير فهو إما في الدنيا وهو أن لا يشتغل بمقابلة تلك الإساءة باساءة أخرى، وهو المراد بكظم الغيظ، وإما في الآخرة وهو أن يبرئ ذمته عن التبعات والمطالبات في الآخرة، وهو المراد بقوله تعالى: * (والعافين عن الناس) * فصارت هذه الآية من هذا الوجه دالة على جميع جهات الاحسان إلى الغير، ولما كانت هذه الأمور الثلاثة مشتركة في كونها إحسانا إلى الغير ذكر ثوابها فقال: * (والله يحب المحسنين) * فان محبة الله للعبد أعم درجات الثواب.
وقال تعالى * (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فا ستغفروا لذنوبهم ومن