المسألة الثانية: احتج الأصحاب بهذه الآية على أن الايمان لا يحصل الا بإعانة الله، والكفر لا يحصل الا بخذلانه، والوجه فيه ظاهر لأنها دالة على أن الأمر كله لله.
المسألة الثالثة: قرأ عبيد بن عمير * (وان يخذلكم) * من أخذله إذا جعله مخذولا.
المسألة الرابعة: قوله: * (من بعده) * فيه وجهان: الأول: يعني من بعد خذلانه، والثاني: أنه مثل قولك: ليس لك من يحسن إليك من بعد فلان.
ثم قال: * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * يعني لما ثبت أن الأمر كله بيد الله، وأنه لا راد لقضائه ولا دافع لحكمه، وجب أن لا يتوكل المؤمن الا عليه، وقوله: * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * يفيد الحصر، أي على الله فليتوكل المؤمنون لا على غيره.
* (وما كان لنبى أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) *.
اعلم أنه تعالى لما بلغ في الحث على الجهاد أتبعه بذكر أحكام الجهاد. ومن جملتها المنع من الغلول، فذكر هذه الآية في هذا المعنى وفيها مسائل:
المسألة الأولى: الغلول هو الخيانة، وأصله أخذ الشيء في الخفية، يقال أغل الجازر والسالخ إذا أبقى في الجلد شيئا من اللحم على طريق الخيانة، والغل الحقد الكامن في الصدر. والغلالة الثوب الذي يلبس تحت الثياب، والغلل الماء الذي يجري في أصول الشجرة لأنه مستتر بالأشجار وتغلل الشيء إذا تخلل وخفى، وقال عليه الصلاة والسلام: " من بعثناه على عمل فغل شيئا جاء يوم القيامة يحمله على عنقه " وقال: " هدايا الولاة غلول " وقال: " ليس على المستعير غير المغل ضمان " وقال: " لا إغلال ولا إسلال " وأيضا يقال: أغله إذا وجده غالا، كقولك: أبخلته وأفحمته. أي وجدته كذلك.
المسألة الثانية: قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو (يغل) بفتح الياء وضم الغين، أي ما كان للنبي أن يخون، وقرأ الباقون من السبعة " يغل " بضم الياء وفتح الغين، أي ما كان للنبي أن يخان.
واختلفوا في أسباب النزول، فبعضها يوافق القراءة الأولى. وبعضها يوافق القراءة الثانية.