الامداد والاعانة من الله، والغرض منه أن يقتدى بهم في هذه الطريقة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فان من عول في تحصيل مهماته على نفسه ذل، ومن اعتصم بالله فاز بالمطلوب، قال القاضي: إنما قدموا قولهم: * (ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا) * لأنه تعالى لما ضمن النصرة للمؤمنين، فإذا لم تحصل النصرة وظهر أمارات استيلاء العدو، دل ذلك ظاهرا على صدور ذنب وتقصير من المؤمنين؛ فلهذا المعنى يجب عليهم تقديم التوبة والاستغفار على طلب النصرة، فبين تعالى أنهم بدأوا بالتوبة عن كل المعاصي وهو المراد بقوله: * (ربنا اغفر لنا ذنوبنا) * فدخل فيه كل الذنوب، سواء كانت من الصغائر أو من الكبائر، ثم انهم خصوا الذنوب العظيمة الكبيرة منها بالذكر بعد ذلك لعظمها وعظم عقابها وهو المراد من قوله: * (وإسرافنا في أمرنا) * لان الاسراف في كل شيء هو الافراط فيه، قال تعالى: * (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) * (الزمر: 53) وقال: * (فلا يسرف في القتل) * (الإسراء: 33) وقال: * (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) * (الأعراف: 31) ويقال: فلان مسرف إذا كان مكثرا في النفقة وغيرها، ثم انهم لما فرغوا من ذلك سألوا ربهم أن يثبت أقدامهم، وذلك بإزالة الخوف عن قلوبهم، وإزالة الخواطر الفاسدة عن صدورهم، ثم سألوا بعد ذلك أن ينصرهم على القوم الكافرين، لان هذه النصرة لا بد فيها من أمور زائدة على ثبات أقدامهم، وهو كالرعب الذي يلقيه في قلوبهم، واحداث أحوال سماوية أو أرضية توجب انهزامهم، مثل هبوب رياح تثير الغبار في وجوههم، ومثل جريان سيل في موضع وقوفهم، ثم قال القاضي: وهذا تأديب من الله تعالى في كيفية الطلب بالأدعية عند النوائب والمحن سواء كان في الجهاد أو غيره.
* (فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة والله يحب المحسنين) *.
واعلم أنه تعالى لما شرح طريقة الربيين في الصبر، وطريقتهم في الدعاء ذكر أيضا ما ضمن لهم في مقابلة ذلك في الدنيا والآخرة فقال: * (فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (فآتاهم الله) * يقتضي أنه تعالى أعطاهم الامرين، أما ثواب الدنيا فهو النصرة والغنيمة وقهر العدو والثناء الجميل، وانشراح الصدر بنور الايمان وزوال ظلمات الشبهات وكفارة المعاصي والسيئات، وأما ثواب الآخرة فلا شك أنه هو الجنة وما فيها من المنافع واللذات وأنواع السرور والتعظيم، وذلك غير حاصل في الحال، فيكون المراد أنه تعالى حكم لهم بحصولها في الآخرة، فأقام حكم الله بذلك مقام نفس الحصول، كما أن الكذب في وعد الله والظلم في عدله محال، أو يحمل قوله: * (فآتاهم) * على أنه سيؤتيهم على قياس قوله: * (أتي أمر الله) * أي سيأتي أمر الله. قال