تعالى لما أمر بالمحاربة، ثم صارت تلك المحاربة مؤدية إلى ذلك الانهزام، صح على سبيل المجاز أن يقال حصل ذلك بأمره.
الوجه الرابع: وهو المنقول عن ابن عباس: أن المراد من الاذن قضاء الله بذلك وحكمه به وهذا أولى لأن الآية تسلية للمؤمنين مما أصابهم، والتسلية إنما تحصل إذا قيل إن ذلك وقع بقضاء الله وقدره، فحينئذ يرضون بما قضى الله.
ثم قال: * (وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا) * والمعنى ليميز المؤمنين عن المنافقين وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي: يقال: نافق الرجل فهو منافق إذا أظهر كلمة الايمان وأضمر خلافها، والنفاق اسم إسلامي اختلف في اشتقاقه على وجوه: الأول: قال أبو عبيدة: هو من نافقاء اليربوع، وذلك لأن حجر اليربوع له بابان: القاصعاء والنافقاء، فإذا طلب من أيهما كان خرج من الآخر فقيل للمنافق أنه منافق، لأنه وضع لنفسه طريقين، إظهار الاسلام وإضمار الكفر، فمن أيهما طلبته خرج من الآخر: الثاني: قال ابن الأنباري: المنافق من النفق وهو السرب، ومعناه أنه يتستر بالاسلام كما يتستر الرجل في السرب. الثالث: أنه مأخوذ من النافقاء، لكن على غير هذا الوجه الذي ذكره أبو عبيدة، وهو أن النافقاء جحر يحفره اليربوع في داخل الأرض، ثم انه يرقق بما فوق الجحر، حتى إذا رابه ريب دفع التراب برأسه وخرج، فقيل للمنافق منافق لأنه يضمر الكفر في باطنه، فإذا فتشته رمى عنه ذلك الكفر وتمسك بالاسلام.
المسألة الثانية: قوله: * (وليعلم المؤمنين) * ظاهره يشعر بأنه لأجل أن يحصل له هذا العلم أذن في تلك المصيبة، وهذا يشعر بتجدد علم الله، وهذا محال في حق علم الله تعالى، فالمراد ههنا من العلم المعلوم، والتقدير: ليتبين المؤمن من المنافق، وليتميز أحدهما عن الآخر حصل الاذن في تلك المصيبة، وقد تقدم تقرير هذا المعنى في الآيات المتقدمة والله أعلم.
المسألة الثالثة: في الآية حذف، تقديره: وليعلم إيمان المؤمنين ونفاق المنافقين.
فان قيل: لم قال: * (وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا) * ولم يقل: وليعلم المنافقين.
قلنا: الاسم يدل على تأكيد ذلك المعنى، والفعل يدل على تجدده، وقوله: * (وليعلم المؤمنين) * يدل على كونهم مستقرين على إيمانهم متثبتين فيه، وأما * (نافقوا) * فيدل على كونهم إنما شرعوا في الأعمال اللائقة بالنفاق في ذلك الوقت.
ثم قال تعالى: * (وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا) * وفيه مسائل: